صفحة جزء
( قول معروف ومغفرة خير من صدقة يتبعها أذى ) أي : رد جميل من المسئول ، وعفو من السائل إذا وجد منه ما يثقل على المسئول من إلحاح أو سب أو تعريض بسب ، كما يوجد في كثير من المستعطين ، وقيل : معنى ( ومغفرة ) أي : نيل مغفرة من الله بسبب الرد الجميل . وقيل : ( ومغفرة ) أي : عفو من جهة السائل ؛ لأنه إذا رده ردا جميلا عذره ، وقيل : ( قول معروف ) هو الدعاء والتأسي والترجئة بما عند الله ، وقيل : الدعاء لأخيه بظهر الغيب ، وقيل : الأمر بالمعروف خير ثوابا عند الله من صدقة يتبعها أذى . وقيل : التسبيحات والدعاء والثناء والحمد لله ، والمغفرة : أي الستر على نفسه والكف عن إظهار ما ارتكب من المآثم ( خير ) أي : أخف على البدن من صدقة يتبعها أذى ، وقيل : " المغفرة " الاقتصار على القول الحسن ، وقيل : " المغفرة " أن يسأل الله الغفران لتقصير في عطاء وسد خلة ، وقيل : المغفرة هنا ستر خلة المحتاج وسوء حاله ، قاله ابن جرير ، وقيل : لأعرابي سئل بكلام فصيح ، ممن الرجل ؟ فقال : اللهم غفرا سوء الاكتساب يمنع من الانتساب ، وقيل : أن يستر على السائل سؤاله وبذل وجهه له ولا يفضحه ، وقيل : معناه السلامة من المعصية ، وقيل : القول المعروف أن تحث غيرك على إعطائه ، وهذا كله على أن يكون الخطاب مع المسئول ؛ لأن الخطاب في الآية قبل هذا ، وفي الآية بعد هذا ، إنما هو مع المتصدق ، وقيل : الخطاب للسائل ، وهو حث له على إجمال الطلب ، أي : يقول قولا حسنا من تعريض [ ص: 308 ] بالسؤال أو إظهار للغنى حيث لا ضرورة ، ويكسب خيرا من مثال صدقة يتبعها أذى ، واشترك القول المعروف والمغفرة مع الصدقة التي يتبعها أذى في مطلق الخيرية ، وهو : النفع ، وإن اختلفت جهة النفع ، فنفع القول المعروف والمغفرة باق ، ونفع تلك الصدقة فان ، ويحتمل أن يكون الخيرية هنا من باب قولهم : شيء خير من لا شيء ، وقال الشاعر :


ومنعك للندى بجميل قول أحب إلي من بذل ومني



وقال آخر فأجاد :


إن لم تكن ورق يوما أجود بها     للمعتفين فإني لين العود
لا يعدم السائلون الخير من خلقي     إما نوالي وإما حسن مردود



وارتفاع : ( قول ) على أنه مبتدأ ، وسوغ الابتداء بالنكرة وصفها ، ( ومغفرة ) معطوف على المبتدأ ، فهو مبتدأ ومسوغ جواز الابتداء به وصف محذوف أي : ومغفرة من المسئول ، أو من السائل ، أو من الله ، على اختلاف الأقوال ، و ( خير ) خبر عنهما ، وقال المهدوي وغيره : هما جملتان ، وخبر ( قول ) محذوف ، التقدير : قول معروف أولى ومغفرة خير ، قال ابن عطية : وفي هذا ذهاب تزويق المعنى ، وإنما يكون المقدر كالظاهر ، انتهى . وما قاله حسن ، وجوز أن يكون : ( قول معروف ) خبر مبتدأ محذوف تقديره : المأمور به قول معروف ، ولم يحتج إلى ذكر المن في قوله : ( يتبعها ) لأن الأذى يشمل المن وغيره كما قلنا .

( والله غني حليم ) أي : غني عن الصدقة ، حليم بتأخر العقوبة ، وقيل : غني لا حاجة به إلى منفق يمن ويؤذي ، حليم عن معاجلة العقوبة ، وهذا سخط منه ووعيد .

التالي السابق


الخدمات العلمية