صفحة جزء
( وما جعله الله إلا بشرى لكم ولتطمئن قلوبكم به ) الظاهر أن الهاء في جعله عائدة على المصدر المفهوم من " يمددكم " ، وهو الإمداد . وجوز أن يعود على التسويم ، أو على النصر ، أو على التنزيل ، أو على العدد ، أو على الوعد . و " إلا بشرى " مستثنى من المفعول له ، أي : ما جعله الله لشيء إلا بشرى لكم . فهو استثناء فرغ له العامل ، وبشرى مفعول من أجله ، وشروط نصبه موجودة ، وهو : أنه مصدر ، ومتحد الفاعل والزمان . و " لتطمئن " معطوف على موضع بشرى ، إذ أصله لبشرى . ولما اختلف الفاعل في ولتطمئن ، أتي باللام ؛ إذ فات شرط اتحاد الفاعل ؛ لأن فاعل بشرى هو الله ، وفاعل تطمئن هو قلوبكم . وتطمئن منصوب بإضمار أن بعد لام كي ، فهو من عطف الاسم على توهم موضع اسم آخر ، و " جعل " على هذا التقدير متعدية إلى واحد .

وقال الحوفي : " إلا بشرى " في موضع نصب على البدل من الهاء ، وهي عائدة على الوعد بالمدد . وقيل : بشرى مفعول ثان لـ " جعله " الله . [ ص: 52 ] فعلى هذين القولين تتعلق اللام في " لتطمئن " بمحذوف ، إذ ليس قبله عطف يعطف عليها . قالوا : تقديره ولتطمئن قلوبكم به بشركم . وبشرى " فعلى " مصدر كـ " رجعى " ، وهو مصدر من بشر الثلاثي المجرد ، والهاء في " به " تعود على ما عادت عليه في " جعله " على الخلاف المتقدم . وقال ابن عطية : اللام في ولتطمئن متعلقة بفعل مضمر يدل عليه " جعله " . ومعنى الآية : وما كان هذا الإمداد إلا لتستبشروا به ، وتطمئن به قلوبكم . انتهى . وكأنه رأى أنه لا يمكن عنده أن يعطف ولتطمئن على بشرى على الموضع ؛ لأن من شرط العطف على الموضع - عند أصحابنا - أن يكون ثم محرز للموضع ، ولا محرز هنا ؛ لأن عامل الجر مفقود . ومن لم يشترط المحرز فيجوز ذلك على مذهبه ، وإن لا فيكون من باب العطف على التوهم كما ذكرناه أولا .

وقال أبو عبد الله محمد بن عمر الرازي : قال بعضهم : الواو زائدة في " ولتطمئن " . وقال أيضا : في ذكر الإمداد مطلوبان ، أحدهما : إدخال السرور في قلوبهم ، وهو المراد بقوله : إلا بشرى . والثاني : حصول الطمأنينة بالنصر ، فلا تجبنوا ، وهذا هو المقصود الأصلي ، ففرق بين هاتين العبارتين تنبيها على حصول التفاوت بين الأمرين ، فعطف الفعل على الاسم . ولما كان الأقوى حصول الطمأنينة أدخل حرف التعليل . انتهى . وفيه بعض ترتيب وتناقش في قوله : فعطف الفعل على الاسم . إذ ليس من عطف الفعل على الاسم . وفي قوله : أدخل حرف التعليل ، وليس ذلك لما ذكر .

( وما النصر إلا من عند الله العزيز الحكيم ) حصر كينونة النصر في جهته ، لا أن ذلك يكون من تكثير المقاتلة ، ولا من إمداد الملائكة . وذكر الإمداد بالملائكة تقوية لرجاء النصر لهم ، وتثبيتا لقلوبهم . وذكر وصف العزة وهو الوصف الدال على الغلبة ، ووصف الحكمة وهو الوصف الدال على وضع الأشياء مواضعها ، من نصر وخذلان وغير ذلك .

التالي السابق


الخدمات العلمية