صفحة جزء
( ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين ) لما انهزم من انهزم من المؤمنين أقبل خالد يريد أن يعلو الجبل ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " لا يعلن علينا ، اللهم لا قوة لنا إلا بك " فنزلت . قاله ابن عباس . وزاد الواقدي أن رماة المسلمين صعدوا الجبل ورموا خيل المشركين حتى هزموهم ، فذلك قوله : وأنتم الأعلون . وقال القرطبي : وأنتم الغالبون بعد أحد ، فلم يخرجوا بعد ذلك إلا ظفروا في كل عسكر كان في عهده - عليه السلام - وفي كل عسكر كان بعد ، ولو لم يكن فيه إلا واحد من الصحابة . وقال الكلبي : نزلت بعد أحد حين أمروا بطلب القوم مع ما أصابهم من الجراح . وقال : لا يخرج إلا من شهد معنا أمس ، فاشتد ذلك على المسلمين فنزلت ، نهاهم عن أن يضعفوا عن جهاد أعدائهم ، وعن الحزن على من استشهد من إخوانهم ؛ فإنهم [ ص: 62 ] صاروا إلى كرامة الله . قاله ابن عباس . أو لأجل هزيمتهم وقتلهم يوم أحد . قاله مقاتل . أولما أصاب النبي - صلى الله عليه وسلم - من شجه وكسر رباعيته ، ذكره الماوردي . أولما فات من الغنيمة ، ذكره أحمد النيسابوري . أو لمجموع ذلك . وآنسهم بقوله : " وأنتم الأعلون " أي الغالبون وأصحاب العاقبة . وهو إخبار بعلو كلمة الإسلام . قاله الجمهور ، وهو الظاهر .

وقيل : ( وأنتم الأعلون ) ، أي قد أصبتم ببدر ضعف ما أصابوا منكم ب أحد أسرا وقتلا ، فيكون " وأنتم الأعلون " نصبا على الحال ، أي تحزنوا عالين أي منصورين على عدوكم . انتهى . وأما كونه من علوهم الجبل كما أشير إليه في سبب النزول فروي ذلك عن ابن عباس وابن جبير . قال ابن عطية : ومن كرم الخلق أن لا يهن الإنسان في حربه وخصامه ، ولا يلين إذا كان محقا ، وأن يتقصى جميع قدرته ، ولا يضرع ولو مات . وإنما يحسن اللين في السلم والرضا ، ومنه قوله - عليه السلام - : " المؤمن هين لين ، والمؤمنون هينون لينون " وقال منذر بن سعيد : يجب بهذه الآية ألا يوادع العدو ما كانت للمسلمين قوة وشوكة ، فإن كانوا في قطر ما على غير ذلك فينظر الإمام لهم في الأصلح . انتهى .

وفي قوله : وأنتم الأعلون دلالة على فضيلة هذه الأمة ؛ إذ خاطبهم مثل ما خاطب موسى كليمه - صلى الله عليه وسلم - على نبينا وعليه ، إذ قال له : " لا تخف إنك أنت الأعلى " . وتعلق قوله : إن كنتم مؤمنين بالنهي ، فيكون ذلك هزا للنفوس يوجب قوة القلب والثقة بصنع الله ، وقلة المبالاة بالأعداء . أو بالجملة الخبرية : أي إن صدقتم بما وعدكم وبشركم به من الغلبة . ويكون شرطا على بابه يحصل به الطعن على من ظهر نفاقه في ذلك اليوم ، أي : لا تكون الغلبة والعلو إلا للمؤمنين ، فاستمسكوا بالإيمان .

التالي السابق


الخدمات العلمية