صفحة جزء
( للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن ) قال ابن عباس والسدي : معناه من الميراث ، لأن العرب كانت لا تورث النساء . وضعف هذا القول ؛ لأن لفظ الاكتساب ينبو عنه ، لأن الاكتساب [ ص: 236 ] يدل على الاعتمال والتطلب للمكسوب ، وهذا لا يكون في الإرث ، لأنه مال يأخذه الوارث عفوا بغير اكتساب فيه ، وتفسير قتادة هذا متركب على ما قاله في سبب نزول الآية . وقيل : يعبر بالكسب عن الإصابة ، كما روي أن بعض العرب أصاب كنزا فقال له ابنه : بالله يا أبة أعطني من كسبك نصيبا ، أي مما أصبت . ومنه قول خديجة رضي الله عنها : وتكسب المعدوم . قالوا : ومنه قول الشاعر :


فإن أكسبوني نزر مال فإنني كسبتهم حمدا يدوم مع الدهر



وقالت فرقة : المعنى أن الله تعالى جعل لكل من الصنفين مكاسب تختص به ، فلا يتمنى أحد منها ما جعل للآخر . فجعل للرجال الجهاد والإنفاق في المعيشة وحمل التكاليف الشاقة كالأحكام والإمارة والحسبة وغير ذلك . وجعل للنساء الحمل ومشقته ، وحسن التبعل ، وحفظ غيب الزوج ، وخدمة البيوت . وقيل : المعنى مما اكتسب من نعيم الدنيا ، فينبغي أن يرضى بما قسم الله له . وهذه الأقوال الثلاثة هي بالنسبة لأحوال الدنيا . وقالت فرقة : المعنى نصيب من الأجر والحسنات . وقال الزمخشري : جعل ما قسم لكل من الرجال والنساء على حسب ما عرف الله من حاله الموجبة للبسط والقبض كسبا له انتهى . وفي قوله : عرف الله نظره ، فإنه لا يقال في الله عارف ، نص الأئمة على ذلك ، لأن المعرفة في اللغة تستدعي قبلها جهلا بالمعروف ، وذلك بخلاف العلم ، فإنه لا يستدعي جهلا قبله . وتسمية ما قسم الله كسبا له فيه نظر أيضا ، فإن الاكتساب يقتضي الاعتمال والتطلب كما قلناه ، إلا إن قلنا أن أكثر ما قسم له يستدعي اكتسابا من الشخص ، فأطلق الاكتساب على جميع ما قسم له تغليبا للأكثر . وفي تعليق النصيب بالاكتساب حض على العمل ، وتنبيه على كسب الخير .

التالي السابق


الخدمات العلمية