صفحة جزء
( إن الله لا يحب من كان مختالا فخورا ) نفى تعالى محبته عمن اتصف بهاتين الصفتين : الاختيال وهو التكبر ، والفخر هو عد المناقب على سبيل التطاول بها والتعاظم على الناس . لأن من اتصف بهاتين الصفتين حملتاه على الإخلال بمن ذكر في الآية ممن يكون لهم حاجة إليه . وقال أبو رجاء الهروي : لا تجد سيئ الملكة إلا وجدته مختالا فخورا ، ولا عاقا إلا وجدته جبارا شقيا . قال الزمخشري : والمختال التياه الجهول الذي يتكبر عن إكرام أقاربه وأصحابه ومماليكه ، فلا يحتفي بهم ، ولا يلتفت إليهم . وقال غيره : ذكر تعالى الاختيال لأن المختال يأنف من ذوي قرابته إذا كانوا فقراء ، ومن جيرانه إذا كانوا ضعفاء ، ومن الأيتام لاستضعافهم ومن المساكين لاحتقارهم ، ومن ابن السبيل لبعده عن أهله وماله ، ومن مماليكه لأسرهم في يده [ ص: 246 ] انتهى . وتظافرت هذه النقول على أن ذكر هاتين الصفتين في آخر الآية إنما جاء تنبيها على أن من اتصف بالخيلاء والفخر يأنف من الإحسان للأصناف المذكورين ، وأن الحامل له على ذلك اتصافه بتينك الصفتين . والذي يظهر لي أن مساقهما غير هذا المساق الذي ذكروه ، وذلك أنه تعالى لما أمر بالإحسان للأصناف المذكورة والتحفي بهم وإكرامهم ، كان في العادة أن ينشأ عن من اتصف بمكارم الأخلاق أن يجد في نفسه زهوا وخيلاء وافتخارا بما صدر منه من الإحسان . وكثيرا ما افتخرت العرب بذلك وتعاظمت في نثرها ونظمها به ، فأراد تعالى أن ينبه على التحلي بصفة التواضع ، وأن لا يرى لنفسه شفوفا على من أحسن إليه ، وأن لا يفخر عليه كما قال تعالى : ( لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى ) فنفى تعالى محبته عن المتحلي بهذين الوصفين . وكان المعنى أنهم أمروا بعبادة الله تعالى ، وبالإحسان إلى الوالدين . ومن ذكر معهما : ونهوا عن الخيلاء والفخر ، فكأنه قيل : ولا تختالوا وتفخروا على من أحسنتم إليه ، إن الله لا يحب من كان مختالا فخورا . إلا أن ما ذكرناه لا يتم إلا على أن يكون الذين يبخلون مبتدأ مقتطعا مما قبله ، أما إن كان متصلا بما قبله فيأتي المعنى الذي ذكره المفسرون ، ويأتي إعراب الذين يبخلون ، وبه يتضح المعنى الذي ذكروه ، والمعنى الذي ذكرناه إن شاء الله تعالى .

التالي السابق


الخدمات العلمية