صفحة جزء
( فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا ) هو نبيهم يشهد عليهم بما فعلوا كما قال تعالى : ( وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم ) والأمة هنا من بعث إليهم النبي صلى الله عليه وسلم من مؤمن به وكافر . لما أعلم تعالى بعدله وإيتاء فضله أتبع ذلك بأن نبه على الحالة التي يحضرونها للجزاء ويشهد عليهم فيها .

و ( كيف ) في موضع رفع إن كان المحذوف مبتدأ ، التقدير : فكيف حال هؤلاء السابق ذكرهم ، أو كيف صنعهم . وهذا المبتدأ هو العامل في إذا ، أو في موضع نصب إن كان المحذوف فعلا أي : فكيف يصنعون ، أو كيف يكونون . والفعل أيضا هو العامل في إذا . ونقل ابن عطية عن مكي : أن العامل في ( كيف ) ( جئنا ) . قال : وهو خطأ ، والاستفهام هنا للتوبيخ ، والتقريع ، والإشارة بهؤلاء إلى أمة الرسول صلى الله عليه وسلم . وقال مقاتل : إلى الكفار . وقيل : إلى اليهود والنصارى . وقيل : إلى كفار قريش . وقيل : إلى المكذبين وشهادته بالتبليغ لأمته قاله : ابن مسعود ، وابن جريج ، والسدي ، ومقاتل . أو بإيمانهم قاله أبو العالية ، أو بأعمالهم قاله : مجاهد والسدي . والظاهر أن الشهادة تكون على المشهود عليهم . وقيل : على بمعنى اللام ، أي : وجئنا بك لهؤلاء ، وهذا فيه بعد . وقال الزجاجي : يشهد لهم وعليهم ، وحذف المشهود عليهم في قوله : إذا جئنا من كل أمة بشهيد لجريان ذكره في الجار والمجرور فاختصر ، والتقدير : من كل أمة بشهيد على أمته . وظاهر المقابلة يقتضي أن تكون الشهادة عليهم لا لهم ، ولا يكون عليهم إلا والمشهود عليهم كانوا منكرين مكذبين بما شهد عليهم به . وروي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم : كان إذا قرأ هذه الآية فاضت عيناه ، وكذلك حين قرأ عليه ابن مسعود ذرفت عيناه وبكاؤه - والله أعلم - هو إشفاق على أمته ورحمة لهم من هول ذلك اليوم . وظاهر قوله : وجئنا بك ، أنه معطوف على قوله : جئنا من كل أمة . وقيل : حال على تقدير قد أي وقد جئنا .

التالي السابق


الخدمات العلمية