صفحة جزء
( يومئذ يود الذين كفروا وعصوا الرسول لو تسوى بهم الأرض ) التنوين في ( يومئذ ) هو تنوين العوض ، حذفت الجملة السابقة وعوض منها هذا التنوين ، والتقدير : يوم إذ جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا يود الذين كفروا وعصوا الرسول أي : كفروا بالله وعصوا رسوله . والرسول : هنا اسم جنس ، ويحتمل أن يكون التنوين عوضا من الجملة الأخيرة ، ويكون الرسول محمدا صلى الله عليه وسلم . وأبرز ظاهرا ، ولم يأت وعصوك لما في ذكر الرسول من الشرف والتنويه بالرسالة التي هي أشرف ما تحملها الإنسان من الله تعالى ، إذ هي سبب السعادة الدنيوية والأخروية ، والعامل في : ( يوم ) ( يود ) . ومعنى يود : يتمنى . وظاهر ( وعصوا ) أنه معطوف على ( كفروا ) . وقيل : هو على إضمار موصول آخر أي : والذين عصوا فهما فرقتان . وقيل : الواو واو الحال أي : كفروا وقد عصوا الرسول . وقال الحوفي : يجوز أن يكون ( يوم ) مبنيا مع إذ ، لأن الظرف إذا [ ص: 253 ] أضيف إلى غير متمكن جاز بناؤه معه . و ( إذ ) في هذا الموضع اسم ليست بظرف ، لأن الظروف إذا أضيف إليها خرجت إلى معنى الاسمية من أجل تخصيص المضاف إليها ، كما تخصص الأسماء ، ومع استحقاقها الجر ، والجر ليس من علامات الظروف انتهى ، وهو كلام جيد .

وقرأ الجمهور : وعصوا الرسول بضم الواو . وقرأ يحيى بن يعمر وأبو السمال : ( وعصوا الرسول ) بكسر الواو على أصل التقاء الساكنين . وقرأ ابن كثير ، وأبو عمرو ، و عاصم : تسوى بضم التاء وتخفيف السين مبنيا للمفعول ، وهو مضارع سوى . وقرأ نافع ، وابن عامر : بفتح التاء وتشديد السين ، وأصله تتسوى ، فأدغمت التاء في السين ، وهو مضارع تسوى . وقرأ حمزة والكسائي : ( تسوى ) بفتح التاء وتخفيف السين ، وذلك على حذف التاء ، إذ أصله تتسوى وهو مضارع تسوى . فعلى قراءة من قرأ تتسوى وتسوى فتكون الأرض فاعلة . قال أبو عبيدة وجماعة : معناه لو تنشق الأرض ويكونون فيها ، وتتسوى هي في نفسها عليهم . والباء بمعنى على . وقالت فرقة : معناه لو تسوى هي معهم في أن يكونوا ترابا كالبهائم ، فجاء اللفظ على أن الأرض هي المسوية معهم ، والمعنى : إنما هو أنهم يستوون مع الأرض . ففي اللفظ قلب يخرج على قولهم : أدخلت القلنسوة في رأسي . وعلى قراءة من قرأ : تسوى مبنيا للمفعول ، فالمعنى أن الله يفعل ذلك على حسب المعنيين السابقين . وقيل : المعنى لو يدفنون فتسوى بهم الأرض كما تسوى بالموتى ، ومعنى هذا القول هو معنى القول الأول . وقيل : المعنى لو تعدل بهم الأرض أي : يؤخذ منهم ما عليها فدية .

والعامل في ( يومئذ يود ) ، ومفعول يود محذوف ، تقديره : تسوية الأرض بهم ، ودل عليه قوله : لو تسوى بهم الأرض . ولو حرف لما كان سيقع لوقوع غيره ، وجوابه محذوف تقديره : لسروا بذلك ، وحذف لدلالة يود عليه . ومن أجاز في لو أن تكون مصدرية مثل أن جوز ذلك هنا ، وكانت إذ ذاك لا جواب لها ، بل تكون في موضع مفعول يود .

التالي السابق


الخدمات العلمية