صفحة جزء
وقوله : أو على سفر في موضع نصب عطفا على ( مرضى ) . وفي قوله : أو جاء ، أو لامستم دليل على جواز وقوع الماضي خبرا لكان من غير قد ، وادعاء إضمارها تكلف خلافا للكوفيين لعطفها على خبر كان ، والمعطوف على الخبر خبر .

[ ص: 259 ] فلم تجدوا ماء الضمير عائد على من أسند إليهم الحكم في الأخبار الأربعة . وفيه تغليب الخطاب إذ قد اجتمع خطاب وغيبة ، فالخطاب : كنتم مرضى ، أو على سفر ، أو لامستم . والغيبة قوله : أو جاء أحد . وما أحسن ما جاءت هذه الغيبة ، لأنه لما كنى عن الحاجة بالغائط كره إسناد ذلك إلى المخاطبين ، فنزع به إلى لفظ الغائب بقوله : أو جاء أحد ، وهذا من أحسن الملاحظات وأجمل المخاطبات . ولما كان المرض والسفر ولمس النساء لا يفحش الخطاب بها جاءت على سبيل الخطاب . وظاهر انتفاء الوجدان سبق تطلبه وعدم الوصول إليه ، فأما في حق المريض فجعل الموجود حسا في حقه إذا كان لا يستطيع استعماله كالمفقود شرعا ، وأما غيره باقي الأربعة فانتفاء وجدان الماء في حقهم هو على ظاهره . و فلم تجدوا معطوف على فعل الشرط فتيمموا صعيدا طيبا هذا جواب الشرط ، أمر الله تعالى بالتيمم عند حصول سبب من هذه الأسباب الأربعة وفقدان الماء .

قال الزمخشري : فإن قلت : كيف نظم في سلك واحد بين المرضى والمسافرين ، وبين المحدثين والمجنبين ، والمرض والسفر سببان من أسباب الرخصة ، والحدث سبب لوجوب الوضوء ، والجنابة سبب لوجوب الغسل ؟ قلت : أراد سبحانه وتعالى أن يرخص للذين وجب عليهم التطهر وهم عادمون للماء في التيمم والتراب ، فخص أولا من بينهم مرضاهم وسفرهم لأنهم المتقدمون في استحقاق بيان الرخصة لهم ، لكثرة المرض والسفر وغلبتهما على سائر الأسباب الموجبة للرخصة ، ثم عم كل من وجب عليه التطهر وأعوزه الماء لخوف عدو ، أو سبع ، أو عدم آلة استقاء ، أو إرهاق في مكان لا ماء فيه ، أو غير ذلك مما لا يكثر كثرة المرض والسفر انتهى . وفيه : تفسيره أو لامستم النساء أنه أريد به الجماع الذي تترتب عليه الجنابة ، فسر ذلك على مذهب أبي حنيفة ، ولم ينقل غيره من المذاهب . وملخص ما طول به : أنه اعتذر عن تقديم المرض والسفر بما ذكر . ومن يحمل اللمس على ظاهره يقول : إن هذا من باب الترقي من الأقل إلى الأكثر ، لأن حالة المرض أقل من حالة السفر ، وحالة السفر أقل من حالة قضاء الحاجة ، وحالة قضاء الحاجة أقل من حالة لمس المرأة . ألا ترى أن حالة الصحة غالبا أكثر من حال المرض ، وكذا في سائر البواقي ؟ قال أبو عبيدة والفراء : الصعيد التراب . وقال الليث : الصعيد الأرض المستوية لا شيء فيها من غراس ونبات ، وهو قول قتادة ، قال : الصعيد الأرض الملساء . وقال الخليل : الصعيد ما صعد من وجه الأرض ، يريد وجه الأرض . وقال الزجاج : الصعيد وجه الأرض ترابا كان أو غيره ، وإن كان صخرا لا تراب عليه ، زاد غيره : أو رملا ، أو معدنا ، أو سبخة . والطيب الطاهر وهذا تفسير طائفة ، ومذهب أبي حنيفة ومالك واختيار الطبري . ومنه ( الذين تتوفاهم الملائكة طيبين ) أي طاهرين من أدناس المخالفات . وقال قوم : الطيب هنا الحلال ، قاله سفيان الثوري وغيره . وقال الشافعي وجماعة : الطيب المنبت ، وقاله ابن عباس لقوله تعالى : ( والبلد الطيب يخرج نباته ) فالصعيد على هذا التراب . وهؤلاء يجيزون التيمم بغير ذلك ، فمحل الإجماع هو أن يتيمم بتراب منبت طاهر غير منقول ولا مغصوب . ومحل المنع إجماعا هو : أن يتيمم على ذهب صرف ، أو فضة ، أو ياقوت ، أو زمرد ، وأطعمة كخبز ولحم ، أو على نجاسة ، واختلف في المعادن : فأجيز ، وهو مذهب مالك ، ومنع وهو مذهب الشافعي . وفي الملح ، وفي الثلج ، وفي التراب المنقول ، وفي المطبوخ كالآجر ، وعلى الجدار ، وعلى النبات ، والعود ، والشجر خلاف . وأجاز الثوري وأحمد بغبار اليد . وقال أحمد وأبو يوسف : لا يجوز إلا بالتراب والرمل ، والجمهور على إجازته بالسباخ ، إلا ابن راهويه . وأجاز ابن علية وابن كيسان التيمم بالمسك والزعفران .

التالي السابق


الخدمات العلمية