( 
وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به   ) روى 
مسلم  من حديث 
 nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس  ، عن 
عمر    : 
nindex.php?page=hadith&LINKID=10374250أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما اعتزل نساءه ؛ فدخل عمر  المسجد فسمع الناس يقولون : طلق رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءه ؛ فدخل على النبي صلى الله عليه وسلم فسأله : أطلقت نساءك ؟ قال : لا . فخرج فنادى : ألا إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يطلق نساءه ؛ فنزلت   . وكان هو الذي استنبط الأمر ، وروى 
أبو صالح  عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس    : أن الرسول كان إذا بعث سرية من السرايا فغلبت أو غلبت ؛ تحدثوا بذلك وأفشوه ، ولم يصبروا حتى يكون هو المحدث به ؛ فنزلت . 
والضمير في جاءهم على المنافقين ، قاله 
 nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس  والجمهور . أو على ناس من ضعفة المؤمنين قاله 
الحسن   nindex.php?page=showalam&ids=14416والزجاج    . ولم يذكر 
 nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري  غيره أو عليهما نقله 
ابن عطية  ، أو على اليهود قاله بعضهم . والأمر من الأمن أو الخوف فوز السرية بالظفر والغنيمة ، أو الخيبة والنكبة ، فيبادرون بإفشائه قبل أن يخبر الرسول بذلك . أو ما كان ينزل من الوحي بالوعظ بالظفر ، أو بتخفيف من جهة الكفار ، كان يسر النبي عليه السلام ذلك إليهم فيفشونه ، وكان في ذلك مضرة على المسلمين ، أو ما يعزم عليه النبي من الوداعة والأمان لقوم والخوف الخبر يأتي أن قوما يجمعون للنبي صلى الله عليه وسلم فيخاف المسلمون منهم قاله 
 nindex.php?page=showalam&ids=14416الزجاج  والماوردي  ، 
وأبو سليمان الدمشقي    . 
وقال 
ابن عطية    : المعنى أن المنافقين كانوا يشرئبون إلى سماع ما يسوء النبي صلى الله عليه وسلم في سراياه ؛ فإذا طرأت لهم شبهة أمن للمسلمين ، أو فتح عليهم ؛ حقروها وصغروا شأنها انتهى . والضمير في به عائد على الأمر ؛ قيل : ويجوز أن يعود على الأمن أو الخوف ، ووحد الضمير ; لأن ( أو ) تقتضي أحدهما . 
( 
ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم   ) ; أي ولو ردوا الأمر الذي بلغهم إلى الرسول ، وأولي الأمر ، وهم الخلفاء الأربعة ، ومن يجري على سننهم ، قاله 
 nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس  أو 
أبو بكر  ، 
وعمر  خاصة ، قاله 
عكرمة    . أو أمراء السرايا قاله 
 nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي  ، 
ومقاتل  ، 
وابن زيد    . أو العلماء من الصحابة قاله 
الحسن  وقتادة  ، 
 nindex.php?page=showalam&ids=13036وابن جريج    . والمعنى : لو أمسكوا   
[ ص: 306 ] عن الخوض فيما بلغهم ، واستقصوا الأمر من الرسول وأولي الأمر ؛ لعلم حقيقة ذلك الأمر الوارد من له بحث ونظر وتجربة ؛ فأخبروهم بحقيقة ذلك ، وأن الأمر ليس جاريا على أول خبر يطرأ . 
قال 
 nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري    : هم ناس من ضعفة المسلمين الذين لم تكن فيهم خبرة بالأحوال والاستبطان للأمور ، كانوا إذا بلغهم خبر عن سرايا رسول الله صلى الله عليه وسلم من أمن ، وسلامة أو خوف وخلل أذاعوا به ، وكانت إذاعتهم مفسدة . ولو ردوا ذلك الخبر إلى رسول الله وإلى أولي الأمر منهم ، وهم كبار الصحابة البصراء بالأمور ، أو الذين كانوا يؤمرون منهم لعلمه لعلم تدبير ما أخبروا به الذين يستنبطونه ; أي الذين يستخرجون تدبيره بفطنهم ، وتجاربهم ، ومعرفتهم بأمور الحرب ، ومكايدها . وقيل كانوا يقفون من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأولي الأمر على أمن ، ووثوق بالظهور على بعض الأعداء ، أو على خوف واستشعار ؛ فيذيعونه فينشر ، فيبلغ الأعداء فتعود إذاعتهم مفسدة ، ولو ردوه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وإلى أولي الأمر ، وفوضوه إليهم ، وكانوا كأن لم يسمعوا لعلمه الذين يستنبطون تدبيره كيف يدبرونه ، وما يأتون ويدرون فيه . وقيل كانوا يسمعون من أفواه المنافقين شيئا من الخبر عن السرايا مظنونا غير معلوم الصحة فيذيعونه ؛ فيعود ذلك وبالا على المؤمنين . ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر ، وقالوا : نسكت حتى نسمعه منهم ، ونعلم هل هو مما يذاع أو لا يذاع ؟ لعلمه الذين يستنبطونه منهم لعلم صحته ، وهل هو مما يذيع هؤلاء المذيعون ، وهم الذين يستنبطونه من الرسول وأولي الأمر ; أي يتلقونه منهم ، ويستخرجون علمه من جهتهم ، انتهى كلامه . 
وهذه كلها تأويلات حسنة ، وأجراها على نسق الكلام هذا التأويل الأخير ؛ وهو : أن المعنى إذا طرأ خبر بأمن المسلمين أو خوف ؛ فينبغي أن يشاع ، وأن يرد إلى الرسول ، وأولي الأمر ، فإنهم يخبرون عن حقيقة الأمر فيعلمه من يسألهم ، ويستخرج ذلك من جهتهم ; لأن ما أخبر به الرسول ، وأولوا الأمر إذ هم مخبرون عنه حق لا شك فيه . وقال 
أبو بكر الرازي    : في هذه الآية دلالة على وجوب القول بالقياس ، واجتهاد الرأي في أحكام الحوادث ; لأنه أمر برد الحوادث إلى الرسول في حياته إذ كانوا بحضرته وإلى العلماء بعد وفاته والغيبة عن حضرته . والمنصوص عليه لا يحتاج إلى استنباطه فثبت بذلك أن من الأحكام ما هو مودع في النص ، قد كلف الوصول إلى علمه بالاستدلال والاستنباط . وطول 
الرازي  في هذه المسألة اعتراضا وانفصالا واستقرأ من الآية أحكاما . 
قال : ويدل على بطلان قول القائل بالإمامة ; لأنه لو كان كل شيء من الأحكام منصوصا عليه يعرفه الإمام لزال موضع الاستنباط ، وسقط الرد إلى أولي الأمر ، بل كان الواجب الرد إلى الإمام الذي يعرف صحة ذلك من باطله من جهة النص . وقال الشيخ 
جمال الدين أبو عبد الله محمد بن سليمان بن النقيب  ، وهو جامع كتاب التحرير والتحبير لأقوال أئمة التفسير ما نصه في ذلك الكتاب : وقد لاح لي في هذه الآية أن في الكلام حذفا وتقديما وتأخيرا ، وأن هذا الكلام متعلق بالذي قبله مردود إليه ، ويكون التقدير : 
أفلا يتدبرون القرآن ، ولو تدبروه لعلموا أنه من كلام الله ، والمشكل عليهم من متشابهه لو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم يعني : لعلم معنى ذلك المتشابه الذين يستنبطونه منهم من أهل العلم بالكتاب إلا قليلا ؛ وهو ما استأثر الله به من علم كتابه ، ومكنون خطابه . ثم قال : 
وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به والذي حسن لهم ذلك ، وزينه الشيطان ، ثم التفت إلى المؤمنين فقال : ( 
ولولا فضل الله عليكم   ) الآية . وقد أشار إلى شيء من هذا 
 nindex.php?page=showalam&ids=16161أبو طالب المكي  في كتابه المعروف بقوت القلوب ، وقال : إن قوله : ( إلا قليلا ) متصل بقوله ( 
لعلمه الذين يستنبطونه منهم   ) ، وعلى هذا   
[ ص: 307 ] يكون الاستنباط استخراجا من معنى اللفظ المتشابه بنوع من النظرة والاجتهاد والتفكر ، انتهى كلامه . وهو كما ترى تركيب ، ونظم غير تركيب القرآن ونظمه ، وكثيرا ما يذكر هذا الرجل في القرآن تقديما وتأخيرا . وأغرب من ذلك أنه يجعله من أنواع علم البيان ؛ وأصحابنا وحذاق النحويين يجعلونه من باب ضرائر الأشعار ، وشتان ما بين القولين . 
وقرأ 
أبو السمال    : ( لعلمه ) بسكون اللام . قال 
ابن عطية    : وذلك مثل شجر بينهم ، انتهى . وليس مثله ; لأن تسكين علم قياس مطرد في لغة 
تميم  ، و ( شجر ) ليس قياسا مطردا ، إنما هو على سبيل الشذوذ . وتسكين ( علم ) مثل التسكين في قوله : 
فإن تبله يضجر كما ضجر بازل من الأدم دبرت صفحتاه وغاربه 
  ( 
ولولا فضل الله عليكم ورحمته لاتبعتم الشيطان إلا قليلا   ) هذا خطاب للمؤمنين باتفاق من المتأولين ؛ قاله 
ابن عطية    . قال : والمعنى لولا هداية الله لكم وإرشاده لبقيتم على كفركم ، وهو اتباع الشيطان . وقيل الفضل الرسول . وقيل الإسلام . وقيل القرآن . وقيل في الرحمة أنها الوحي . وقيل اللطف . وقيل النعمة . وقيل التوفيق . والظاهر أن الاستثناء هو من فاعل ( 
اتبعتم   ) . قال 
الضحاك    : هدى الكل منهم للإيمان ; فمنهم من تمكن فيه حتى لم يخطر له قط خاطر شك ، ولا عنت له شبهة ارتياب ؛ وذلك هو القليل . وسائر من أسلم من العرب لم يخل من الخواطر ، فلولا فضل الله بتجريد الهداية لهم لضلوا ، واتبعوا الشيطان ، ويكون الفضل معينا ; أي رسالة 
محمد  والقرآن ; لأن الكل إنما هدي بفضل الله على الإطلاق . 
وقال قوم : إلا قليلا إشارة إلى من كان قبل الإسلام غير متبع للشيطان على ملة إبراهيم ؛ أدركوا بعقولهم معرفة الله ، ووحدوه قبل أن يبعث الرسول 
كزيد بن عمرو بن نفيل  أدرك فساد ما عليه اليهود والنصارى والعرب ؛ فوحد الله وآمن به ؛ فعلى هذا يكون استثناء منقطعا ؛ إذ ليس مندرجا في المخاطبين بقوله : ( 
لاتبعتم   ) . 
وقال قوم : الاستثناء إنما هو من الاتباع ، فقدره 
 nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري    : إلا اتباعا قليلا ؛ فجعله مستثنى من المصدر الدال عليه الفعل ، وهو ( 
لاتبعتم   ) . وقال 
ابن عطية    : في تقدير أن يكون استثناء من الاتباع ، قال : أي لاتبعتم الشيطان كلكم إلا قليلا من الأمور كنتم لا تتبعونه فيها ، ففسره في الاستثناء بالمتبع فيه ، فيكون استثناء من المتبع فيه المحذوف لا من الاتباع ، ويكون استثناء مفرغا والتقدير : لاتبعتم الشيطان في كل شيء إلا قليلا من الأشياء فلا تتبعونه فيه . فإن كان 
ابن عطية  شرح من حيث المعنى فهو صحيح ; لأنه يلزم من الاستثناء   
[ ص: 308 ] الاتباع القليل أن يكون المتبع فيه قليلا ؛ وإن كان شرح من حيث الصناعة النحوية فليس بجيد ; لأن قوله : إلا اتباعا قليلا لا يرادف إلا قليلا من الأمور كنتم لا تتبعونه فيها . وقال قوم : قوله إلا قليلا عبارة عن العدم ، يريد : لاتبعتم الشيطان كلكم . قال 
ابن عطية    : وهذا قول قلق ، وليس يشبه ما حكى 
 nindex.php?page=showalam&ids=16076سيبويه  من قولهم : أرض قلما تنبت كذا ، بمعنى لا تنبته ; لأن اقتران القلة بالاستثناء يقتضي حصولها ؛ ولكن ذكره 
 nindex.php?page=showalam&ids=16935الطبري  ، انتهى . وهذا الذي ذكره 
ابن عطية  صحيح ، ولكن قد جوزه هو في قوله : ( 
ولكن لعنهم الله بكفرهم فلا يؤمنون إلا قليلا   ) ، ولم يقلق عنده هناك ولا رده ، وقد رددناه عليه هناك فيطالع ثمة . 
وقيل 
إلا قليلا مستثنى من قوله : 
أذاعوا به والتقدير : أذاعوا به إلا قليلا ؛ قاله 
 nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس  وابن زيد  ، واختاره 
 nindex.php?page=showalam&ids=15080الكسائي  ، 
 nindex.php?page=showalam&ids=14888والفراء  ، 
وأبو عبيد  ، 
وابن حرب  وجماعة من النحويين ، ورجحه 
 nindex.php?page=showalam&ids=16935الطبري    . وقيل مستثنى من قوله : 
لعلمه الذين يستنبطونه منهم ؛ قاله 
الحسن  وقتادة  ، واختاره 
 nindex.php?page=showalam&ids=16008ابن عيينة    . وقال 
 nindex.php?page=showalam&ids=17140مكي    : 
ولولا فضل الله عليكم   ; أي رحمته ونعمته إذ عافاكم مما ابتلى به هؤلاء المنافقين الذين وصفهم بالتبييت والخلاف . 
لاتبعتم الشيطان هو خطاب للذين قال لهم : ( 
خذوا حذركم فانفروا ثبات   ) ، وقيل الخطاب عام والقليل المستثنى هم أمة الرسول ; لأنهم قليل بالنسبة إلى الكفار . وفي الحديث الصحيح : 
nindex.php?page=hadith&LINKID=10374251ما أنتم إلا كالرقمة البيضاء في الثور الأسود   .