صفحة جزء
( ودوا لو تكفرون كما كفروا فتكونون سواء ) من أثبت أن ( لو ) تكون مصدرية قدره : ودوا كفركم كما كفروا . ومن جعل ( لو ) حرفا لما كان سيقع لوقوع غيره ، جعل مفعول ودوا محذوفا ؛ وجواب لو محذوفا . والتقدير : ودوا كفركم لو تكفرون كما كفروا فتكونون سواء لسروا بذلك . وسبب ودهم ذلك إما حسدا لما ظهر من علو الإسلام كما قال في نظيرتها : ( حسدا من عند أنفسهم ) ، وإما إيثارا لهم أن يكونوا عباد أصنام لكونهم يرون المؤمنين على غير شيء ، وهذا كشف من الله تعالى لخبيث معتقدهم ، وتحذير للمؤمنين منهم . وفتكونون معطوف على قوله : تكفرون .

قال الزمخشري : ولو نصب على جواب التمني لجاز والمعنى : ودوا كفركم وكونكم معهم شرعا واحدا فيما هم عليه من الضلال واتباع دين الآباء ، انتهى . وكون التمني بلفظ الفعل ، ويكون له جواب فيه نظر . وإنما المنقول أن الفعل ينتصب في جواب التمني إذا كان بالحرف نحو : ليت ، ولو وإلا إذا أشربتا معنى التمني ، أما إذا كان بالفعل فيحتاج إلى سماع من العرب . بل لو جاء لم تتحقق فيه الجوابية ; لأن ود التي تدل على التمني إنما متعلقها المصادر لا الذوات ، فإذا نصب الفعل بعد الفاء لم يتعين أن تكون فاء جواب ؛ لاحتمال أن يكون من باب عطف المصدر المقدر على المصدر الملفوظ به ؛ فيكون من باب : للبس عباءة وتقر عيني .

( فلا تتخذوا منهم أولياء حتى يهاجروا في سبيل الله ) لما نص على كفرهم ، وأنهم تمنوا أن تكونوا مثلهم بانت عداوتهم لاختلاف الدينين ؛ فنهى تعالى أن يوالى منهم أحد ؛ وإن آمنوا حتى يظاهروا بالهجرة الصحيحة جل الإيمان ، لا جل حظ الدنيا ؛ وإنما غيا بالهجرة فقط ; لأنها تتضمن الإيمان . وفي هذه الآية دليل على وجوب الهجرة إلى النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ، ولم يزل حكمها كذلك إلى أن فتحت مكة ، فنسخ بقوله صلى الله عليه وسلم : لا هجرة بعد الفتح ؛ ولكن جهاد ونية ، وإذا استنفرتم فانفروا . وخالف الحسن البصري فقال بوجوبها ، وأن حكمها لم ينسخ ، وهو باق فتحرم الإقامة بعد الإسلام في دار الشرك . وإجماع أهل المذاهب على خلافه . قال القاضي أبو يعلى وغيره : من هو قادر على الهجرة ولا يقدر على إظهار دينه فهي تجب عليه لقوله تعالى : ( ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها ) ، ومن كان قادرا على إظهار دينه استحبت له ، ومن لا يقدر على إظهار دينه ولا على الحركة كالشيخ الفاني والزمن ، لا يستحب له .

( فإن تولوا فخذوهم واقتلوهم حيث وجدتموهم ولا تتخذوا منهم وليا ولا نصيرا ) ; أي فإن تولوا عن الإيمان المظاهر بالهجرة الصحيحة ; فحكمهم حكم الكفار ؛ يقتلون حيث [ ص: 315 ] وجدوا في حل وحرم ، وجانبوهم مجانبة كلية ، ولو بذلوا لكم الولاية والنصرة ; فلا تقبلوا منهم .

( إلا الذين يصلون إلى قوم بينكم وبينهم ميثاق أو جاءوكم حصرت صدورهم أن يقاتلوكم أو يقاتلوا قومهم ) هذا استثناء من قوله : فخذوهم واقتلوهم والوصول هنا : البلوغ إلى قوم . وقيل معناه ينتسبون قاله أبو عبيدة . وأنشد الأعشى :


إذا اتصلت قالت لبكر بن وائل وبكر سبتها والأنوف رواغم

وقال النحاس : هذا غلط عظيم ; لأنه ذهب إلى أنه تعالى حظر أن يقاتل أحد بينه وبين المسلمين نسب ؛ والمشركون قد كان بينهم وبين المسلمين السابقين أنساب ؛ يعني : وقد قاتل الرسول ومن معه من انتسب إليهم بالنسب الحقيقي ؛ فضلا عن الانتساب . قال النحاس : وأشد من هذا الجهل قول من قال : إنه كان ثم نسخ ; لأن أهل التأويل مجمعون على أن الناسخ له براءة ، وإنما نزلت بعد الفتح ، وبعد أن انقطعت الحروب ، ووافقه على ذلك الطبري .

وقال القرطبي : حمل بعض أهل العلم معنى ينتسبون على الأمان ، أو أن ينتسب إلى أهل الأمان ، لا على معنى النسب الذي هو القرابة انتهى . قال عكرمة : إلى قوم هم قوم هلال بن عويمر الأسلمي ، وادع الرسول على أن لا يعينه ، ولا يعين عليه ، ومن لجأ إليهم ؛ فله مثل ما لهلال . وروي عن ابن عباس : أنهم بنو بكر بن زيد مناة . والجمهور على أنهم خزاعة ، وذو خزاعة . وقال مقاتل : خزاعة ، وبنو مدلج . وقال ابن عطية : كان هذا الحكم في أول الإسلام قبل أن يستحكم أمر الطاعة من الناس ؛ فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد هادن من العرب قبائل كرهط هلال بن عويمر الأسلمي ، وسراقة بن مالك بن جعشم ، وخزيمة بن عامر بن عبد مناف ؛ فقضت هذه الآية أنه من وصل من المشركين الذين لا عهد بينهم وبين النبي صلى الله عليه وسلم إلى هؤلاء أهل العهد ودخل في عدادهم وفعل فعلهم من الموادعة ، فلا سبيل عليه . قال عكرمة والسدي ، وابن زيد : ثم لما تقوى الإسلام ، وكثر ناصره نسخت هذه الآية والتي بعدها بما في سورة براءة ، انتهى . وقيل هم خزاعة ، وخزيمة بن عبد مناف . والذين حصرت صدورهم هم بنو مدلج ، اتصلوا بقريش وبه . وعن ابن عباس : إنهم قوم من الكفار ، اعتزلوا المسلمين يوم فتح مكة ؛ فلم يكونوا مع الكافرين ، ولا مع المسلمين ، ثم نسخ ذلك بآية القتال .

وأصل الاستثناء أن يكون متصلا ، وظاهر الآية وهذه الأقوال التي تقدمت : أنه استثناء متصل . والمعنى : إلا الكفار الذين يصلون إلى قوم معاندين ، أو يصلون إلى قوم جاءوكم غير مقاتلين ، ولا مقاتلي قومهم . إن كان جاءوكم عطفا على موضع صفة قوم ، وكلا العطفين جوز الزمخشري وابن عطية ، إلا أنهما اختارا العطف على الصلة ؛ قال ابن عطية ، بعد أن ذكر العطف على الصلة ، قال : ويحتمل أن يكون على قوله : بينكم وبينهم ميثاق والمعنى في العطفين مختلف ، انتهى . واختلافه أن المستثنى إما أن يكونا صنفين ، واصلا إلى معاهد ، وجائيا كافا عن القتال . أو صنفا واحدا يختلف باختلاف من وصل إليه من معاهد أو كاف . قال ابن عطية : وهذا أيضا حكم كان قبل أن يستحكم أمر الإسلام ؛ فكان المشرك إذا جاء إلى دار الإسلام مسالما كارها لقتال قومه مع المسلمين ، ولقتال المسلمين مع قومه ، لا سبيل عليه . وهذه نسخت أيضا بما في براءة ، انتهى .

وقال الزمخشري : الوجه العطف على العلة لقوله : ( فإن اعتزلوكم فلم يقاتلوكم ) الآية بعد قوله : فخذوهم ، واقتلوهم ، فقرر أن كفهم عن القتال أحد سببي استحقاقهم لنفي التعرض لهم وترك الإيقاع بهم . فإن قلت : كل واحد من الاتصالين له تأثير في صحة الاستثناء ، واستحقاق ترك التعرض الاتصال بالمعاهدين والاتصال بالكافين فهلا [ ص: 316 ] جوزت أن يكون العطف على صفة قوم ، ويكون قوله : فإن اعتزلوكم تقريرا لحكم اتصالهم بالكافين ، واختلاطهم فيهم وجريهم على سننهم ؟ قلت : هو جائز ، ولكن الأول أظهر وأجرى على أسلوب الكلام ، انتهى . وإنما كان أظهر وأجرى على أسلوب الكلام ؛ لأن المستثنى محدث عنه محكوم له بخلاف حكم المستثنى منه . وإذا عطفت على الصلة كان محدثا عنه ، وإذا عطفت على الصفة لم يكن محدثا عنه ؛ إنما يكون ذلك تقييدا في قوم الذين هم قيد في الصلة المحدث عن صاحبها . ومتى دار الأمر بين أن تكون النسبة إسنادية في المعنى وبين أن تكون تقييدية ، كان حملها على الإسنادية أولى للاستثقال الحاصل بها دون التقييدية ؛ هذا من جهة الصناعة النحوية . وأما من حيث ما يترتب على كل واحد من العطفين من المعنى ؛ فإنه يكون تركهم القتال سببا لترك التعرض لهم ، وهو سبب قريب ، وذلك على العطف على الصلة . ووصولهم إلى من يترك القتال سبب لترك التعرض لهم ، وهو سبب بعيد ؛ وذلك على العطف على الصفة . ومراعاة السبب القريب أولى من مراعاة البعيد . وعلى أن الاستثناء متصل من مفعول ( فخذوهم واقتلوهم ) والمعنى : أنه تعالى أوجب قتل الكافر إلا إذا كان معاهدا أو داخلا في حكم المعاهد ، أو تاركا للقتال ؛ فإنه لا يجوز قتلهم . وقول الجمهور : إن المستثنين كفار .

وقال أبو مسلم : إنه تعالى لما أوجب الهجرة على كل من أسلم ، استثنى من له عذر فقال : ( إلا الذين يصلون ) ، وهم قوم من المؤمنين قصدوا الرسول بالهجرة والنصرة ؛ إلا أنهم كان في طريقهم من الكفار ما لم يجدوا طريقا إليه خوفا من أولئك الكفار ؛ فصاروا إلى قوم بين المسلمين وبينهم عهد ، وأقاموا عندهم إلى أن يمكنهم الخلاص ، واستثنى بعد ذلك من صار إلى الرسول وإلى الصحابة ; لأنه يخاف الله فيه ، ولا يقاتل الكفار أيضا ; لأنهم أقاربه ، أو لأنه بقي أزواجه وأولاده بينهم فيخاف لو قاتلهم أن يقتلوا أولاده وأصحابه . فهذان الفريقان من المسلمين لا يحل قتالهم ، وإن كان لم توجد منهم الهجرة ، ولا مقاتلة الكفار ، انتهى . واختاره الراغب . وعلى قول أبي مسلم : يكون استثناء منقطعا ; لأن المؤمنين لم يدخلوا تحت قوله : ( فما لكم في المنافقين فئتين ) .

وقال الماتريدي : إلا الذين يصلون ; أي إن لحق المنافقون بمن لا ميثاق بينكم وبينهم فاقتلوهم حتى يتوبوا ويهاجروا ؛ وإن لحقوا بأهل الميثاق ؛ فلا تقاتلوهم ، أو جاءوكم حصرت صدورهم هذا صفة لمن سبق ذكرهم ؛ فيكون الاستثناء عن الذين يصلون إلى أهل العهد ، إذا كان وصفهم أن تضيق صدورهم عن مقاتلة المؤمنين والكفار جميعا ؛ إما لنفار طباعهم ، وإما لوفاء العهد ، وإما لكونهم في مهلة النظر ليتبينوا الحق من الباطل . وعلى هذا وصف الله جميع المعاهدين الذين عزموا على الوفاء بالعهد : أنهم إنما قبلوا العهد والذمة لما تعذر عليهم قتال المسلمين ، وأبت نفوسهم معاونة المسلمين على قومهم ؛ فلم يسلموا حقيقة ؛ ولكن سالموا لقبول العهد ، انتهى . وقال القفال بعد ذكر من دخل في عهد من كان داخلا في عهدكم ؛ فهو أيضا داخل في العهد . قال : وقد يدخل في الآية أن يقصد قوم حضرة الرسول عليه السلام ؛ فيتعذر عليهم ذلك المطلوب ، فيلجوا إلى قوم بينهم وبين الرسول عهد إلى أن يجدوا السبيل إليه ، انتهى .

وفي مصحف أبي وقراءته : ميثاق جاءوكم بغير واو . قال الزمخشري : ووجهه أن يكون جاءوكم بيانا ليصلون أو بدلا ، أو استئنافا ، أو صفة [ ص: 317 ] بعد صفة لقوم ، انتهى . وهي وجوه محتملة ، وفي بعضها ضعف . وهو البيان والبدل ; لأن البيان لا يكون في الأفعال ، ولأن البدل لا يتأتى ; لكونه ليس إياه ولا بعضا ، ولا مشتملا . ومعنى ( حصرت ) ضاقت ، وأصل الحصر في المكان ، ثم توسع فيه حتى صار في القول . قال :


ولقد تكنفني الوشاة فصادفوا     حصرا بسرك يا أميم ضنينا

وقيل معناه كرهت . والمعنى : كرهوا قتالكم مع قومهم معكم . وقيل معناه أنهم لا يقاتلونكم ، ولا يقاتلون قومهم معكم ، فيكونون لا عليكم ، ولا لكم . وقرأ الجمهور : حصرت . وقرأ الحسن ، وقتادة ، ويعقوب : حصرة على وزن نبقة ؛ وكذا قال المهدوي عن عاصم في رواية حفص . وحكي عن الحسن أنه قرأ ( حصرات ) ، وقرئ ( حاصرات ) ، وقرئ ( حصرة ) بالرفع على أنه خبر مقدم ; أي صدورهم حصرة ؛ وهي جملة اسمية في موضع الحال . فأما قراءة الجمهور فجمهور النحويين على أن الفعل في موضع الحال . فمن شرط دخول قد على الماضي إذا وقع حالا ؛ زعم أنها مقدرة ، ومن لم ير ذلك لم يحتج إلى تقديرها ؛ فقد جاء منه ما لا يحصى كثرة بغير قد . ويؤيد كونه في موضع الحال قراءة من قرأ ذلك اسما منصوبا .

وعن المبرد قولان : أحدهما : أن ( ثم ) محذوفا هو الحال ، وهذا الفعل صفته ; أي أو جاءوكم قوما حصرت صدورهم . والآخر : أنه دعاء عليهم ؛ فلا موضع له من الإعراب . ورد الفارسي على المبرد في أنه دعاء عليهم بأنا أمرنا أن نقول : اللهم أوقع بين الكفار العداوة ؛ فيكون في قوله : أو يقاتلوا قومهم في ما اقتضاه دعاء المسلمين عليهم . قال ابن عطية : ويخرج قول المبرد على أن الدعاء عليهم بأن لا يقاتلوا المسلمين تعجيز لهم والدعاء عليهم بأن لا يقاتلوا قومهم تحقير لهم أي هم أقل وأحقر ، ويستغنى عنهم كما تقول إذا أردت هذا المعنى : لا جعل الله فلانا علي ، ولا معي ، بمعنى : أستغني عنه وأستقل دونه . وقال غير ابن عطية : أو تكون سؤالا لموتهم على أن قوله ( قومهم ) قد يعبر به عن من ليسوا منهم ، بل عن معاديهم . وأجاز أبو البقاء أن يكون حصرت في موضع جر صفة لقوم وواو جاءوكم معترض . قال : يدل عليه قراءة من أسقط ( أو ) وهو أبي . وأجاز أيضا أن يكون حصرت بدلا من جاءوكم ؛ قال : بدل اشتمال ; لأن المجيء مشتمل على الحصر وغيره . وقال الزجاج : حصرت صدورهم خبر بعد خبر . قال ابن عطية : يفرق بين تقدير الحال وبين خبر مستأنف في قولك : جاء زيد ركب الفرس . أنك إن أردت الحال بقولك : ركب الفرس ؛ قدرت قد . وإن أردت خبرا بعد خبر لم نحتج إلى تقديرها . وقال الجرجاني : تقديره إن جاءوكم حصرت ؛ فحذف ( إن ) . وما ادعاه من الإضمار لا يوافق عليه أن يقاتلوكم تقديره : عن أن يقاتلوكم .

( ولو شاء الله لسلطهم عليكم فلقاتلوكم ) هذا تقرير للمؤمنين على مقدار نعمته تعالى عليهم ; أي لو شاء لقواهم ، وجرأهم عليكم ؛ فإذا قد أنعم عليكم بالهدنة فاقبلوها . وهذا إذا كان المستثنون كفارا ؛ فأما على قول من قال : إنهم مؤمنون ؛ فالمعنى أنه تعالى أظهر نعمته على المسلمين ، وأنه تعالى لو لم يهدهم ، لكانوا في جملة المسلطين عليكم .

قال الزمخشري : فإن قلت : كيف يجوز أن يسلط الله الكفرة على المؤمنين ، ما كان مكافتهم إلا لقذف الله الرعب في قلوبهم ؟ ولو شاء لمصلحة يراها من ابتلاء ونحوه لم يقذفه ؛ فكانوا مسلطين مقاتلين غير كافين ؛ فذلك معنى التسليط ، انتهى . وهذا على طريقته الاعتزالية . وهذا الذي قاله الزمخشري قاله أبو هاشم قبله . قال : أخبر تعالى عن قدرته على ما يشاء أن يفعل . وتسليط الله المشركين على المؤمنين ليس بأمر منه ؛ وإنما هو بإزالة خوف المسلمين من قلوبهم ، وتقوية أسباب الجرأة عليهم . والغرض بتسليطهم عليهم أمور ثلاثة : أحدها : تأديبا لهم ، وعقوبة لما اجترحوا من الذنوب . الثاني : ابتلاء لصبرهم ، واختبارا لقوة إيمانهم [ ص: 318 ] وإخلاصهم ؛ كما قال : ( ولنبلونكم ) الآية . الثالث : لرفع درجاتهم ، وتكثير حسناتهم . أو المجموع ، وهو أقرب للصواب انتهى .

وأما غيرهما من المعتزلة فقال الجبائي : قد بينا أن القوم الذين استثنوا مؤمنون لا كافرون ، وعلى هذا معنى الآية . ولو شاء الله لسلطهم عليكم بتقوية قلوبهم ليدفعوا عن أنفسهم إن أقدمتم على مقاتلتهم على سبيل الظلم . وقال الكعبي : إنه تعالى أخبر أنه لو شاء فعل ؛ وهذا لا يفيد إلا أنه قادر على الظلم ، وهذا مذهبنا ؛ إلا أنا نقول : إنه تعالى لا يفعل الظلم ، وليس في الآية دلالة على أنه شاء ذلك وأراده ، انتهى كلامه .

وقال أهل السنة : في هذه الآية دليل على أنه تعالى لا يقبح منه تسليط الكافر على المؤمن ، وتقويته عليه .

وقرأ الجمهور : ( فلقاتلوكم ) بألف المفاعلة . وقرأ مجاهد وطائفة : ( فلقتلوكم ) على وزن ضربوكم . وقرأ الحسن والجحدري : فلقتلوكم بالتشديد ، واللام في ( لقاتلوكم ) لام جواب ( لو ) لأن المعطوف على الجواب جواب ؛ كما لو قلت : لو قام زيد لقام عمرو ، ولقام بكر . وقال ابن عطية : واللام في لسلطهم جواب ( لو ) ، وفي ( فلقاتلوكم ) لام المحاذاة والازدواج ; لأنها بمثابة الأولى لو لم تكن الأولى كنت تقول : لقاتلوكم ، انتهى . وتسميته هذه اللام لام المحاذاة والازدواج تسمية غريبة ، لم أر ذلك إلا في عبارة هذا الرجل وعبارة مكي قبله .

التالي السابق


الخدمات العلمية