صفحة جزء
( يـأيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ هم قوم أن يبسطوا إليكم أيديهم فكف أيديهم عنكم واتقوا الله وعلى الله فليتوكل المؤمنون ) روى أبو صالح عن ابن عباس : أنها نزلت من أجل كفار قريش ، وقد تقدم ذكرهم في قوله : ولا يجرمنكم شنآن قوم ، وبه قال مقاتل . وقال الحسن : بعثت قريش رجلا ليقتل الرسول ، صلى الله عليه وسلم ، فأطلعه الله على ذلك . وقال مجاهد وقتادة : إنه ، عليه السلام ، ذهب إلى يهود بني النضير يستعينهم في دية فهموا بقتله . وقال جماعة من المفسرين : أتى بني قريظة ومعه أبو بكر وعمر وعلي ، رضي الله عنهم ، يستقرضهم دية مسلمين قتلهما عمرو بن أمية الضمري خطأ حسبهما مشركين ، فقالوا : نعم يا أبا القاسم اجلس حتى نطعمك ونقرضك ، فأجلسوه في صفة وهموا بالقتل به ، وعمد عمرو بن جحاش إلى رحى عظيمة يطرحها عليه ، فأمسك الله يده ، ونزل جبريل ، عليه السلام ، فأخبره فخرج . وقيل : نزل منزلا في غزوة ذات الرقاع بني محارب بن خفصة بن قيس بن غيلان ، وتفرق الناس في العضاه يستظلون بها ، فعلق الرسول سلاحه بشجرة ، فجاء أعرابي فسل سيف الرسول ، صلى الله عليه وسلم ، واسمه غورث ، وقيل : دعثور بن الحارث ، ثم أقبل عليه فقال : من يمنعك مني ؟ قال : الله ; قالها ثلاثا ، وقال : أتخافني ؟ قال : لا ، فشام السيف وحبس . وفي البخاري : أن النبي ، صلى الله عليه وسلم ، دعا الناس فاجتمعوا وهو جالس عند النبي ، صلى الله عليه وسلم ، لم يعاقبه . قيل : أسلم . وقيل : ضرب برأسه ساق الشجرة حتى مات . وروي أن المشركين رأوا المسلمين قاموا إلى صلاة الظهر يصلون معا بعسفان في غزوة ذي أنمار ، فلما صلوا ندموا أن لا كانوا أكبوا عليهم فقالوا : إن لهم صلاة بعدها هي أحب إليهم من آبائهم وأبنائهم ، وهي صلاة العصر ، وهموا أن يوقعوا بهم إذا قاموا إليها ، فنزل جبريل ، عليه السلام ، بصلاة الخوف . وقد [ ص: 442 ] طولوا بذكر أسباب أخر . وملخص ما ذكروه أن قريشا ، أو بني النضير ، أو قريظة ، أو غورثا ، هموا بالقتل بالرسول ، أو المشركين هموا بالقتل بالمسلمين ، أو نزلت في معنى اليوم يئس الذين كفروا من دينكم ، قاله الزجاج ، أو عقيب الخندق حين هزم الله الأحزاب وكفى الله المؤمنين القتال . والذي تقتضيه الآية أن الله تعالى ذكر المؤمنين بنعمه إذ أراد قوم من الكفار لم يعينهم الله بل أبهمهم أن ينالوا المسلمين بشر ، فمنعهم الله ، ثم أمرهم بالتقوى والتوكل عليه . ويقال : بسط إليه لسانه ; أي : شتمه ، وبسط إليه يده : مدها ليبطش به . وقال تعالى : ( ويبسطوا إليكم أيديهم وألسنتهم بالسوء ) ويقال : فلان بسيط الباع ومد يد الباع بمعنى ، وكف الأيدي منعها وحبسها . وجاء الأمر بالتقوى أمر مواجهة مناسبا لقوله اذكروا . وجاء الأمر بالتوكل أمر غائب لأجل الفاصلة ، وإشعارا بالغلبة ، وإفادة لعموم وصف الإيمان ، أي : لأجل تصديقه بالله ورسوله يؤمر بالتوكل كل مؤمن ، ولابتداء الآية بمؤمنين على جهة الاختصاص وختمها بمؤمنين على جهة التقريب .

التالي السابق


الخدمات العلمية