صفحة جزء
( وهدى وموعظة للمتقين ) قرأ الضحاك : وهدى وموعظة بالرفع ، وهو هدى وموعظة . وقرأ الجمهور : بالنصب حالا معطوفة على قوله : ومصدقا ، جعله أولا فيه هدى ونور ، وجعله ثانيا هدى وموعظة . فهو في نفسه هدى ، وهو مشتمل على الهدى ، وجعله هدى مبالغة فيه إذ كان كتاب الإنجيل مبشرا برسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، والدلالة منه على نبوته [ ص: 500 ] ظاهرة ; ولما كانت أشد وجوه المنازعة بين المسلمين واليهود والنصارى ذلك ، أعاد الله ذكر الهدى تقريرا وبيانا لنبوة محمد ، صلى الله عليه وسلم ، ووصفه بالموعظة لاشتماله على نصائح وزواجر بليغة ، وخصصها بالمتقين لأنهم هم الذين ينتفعون بها ، كما قال تعالى : ( هدى للمتقين ) فهم المقصودون في علم الله تعالى ، وإن كان الجميع يدعى ويوعظ ، ولكنه على غير المتقين عمى وحسرة ، وأجاز الزمخشري أن ينتصب هدى وموعظة على أنهما مفعول لهما لقوله : وليحكم ; قال : كأنه قيل : وللهدى والموعظة آتيناه الإنجيل ، وللحكم بما أنزل الله فيه من الأحكام . وينبغي أن يكون الهدى والموعظة مسندين في المعنى إلى الله ، لا إلى الإنجيل ، ليتحد المفعول من أجله مع العامل في الفاعل ، ولذلك جاء منصوبا . ولما كان : وليحكم ، فاعله غير الله ، أتى معدى إليه بلام العلة . ولاختلاف الزمان أيضا ، لأن الإيتاء قارن الهداية والموعظة في الزمان ، والحكم خالف فيه لاستقباله ومضيه في الإيتاء ، فعدي أيضا لذلك باللام ، وهذا الذي أجازه الزمخشري خلاف الظاهر . قال الزمخشري : فإن نظمت هدى وموعظة في سلك مصدقا فما تصنع بقوله : وليحكم ؟ ( قلت ) : أصنع به كما صنعت بهدى وموعظة ، حين جعلتهما مفعولا لهما ، فأقدر : ليحكم أهل الإنجيل بما أنزل الله آتيناه إياه . انتهى . وهو جواب واضح .

التالي السابق


الخدمات العلمية