صفحة جزء
( قل ياقوم اعملوا على مكانتكم إني عامل فسوف تعلمون من تكون له عاقبة الدار إنه لا يفلح الظالمون ) قرأ أبو بكر : على مكاناتكم ، على الجمع حيث وقع ، فمن جمع قابل جمع المخاطبين بالجمع ، ومن أفرد فعلى الجنس ، والمكانة مصدر مكن ، فالميم أصلية ، وبمعنى المكان ، ويقال : المكان والمكانة مفعل ومفعلة من الكون فالميم زائدة ، فيحتمل أن يكون المعنى على تمكنكم من أمركم وأقصى استطاعتكم وإمكانكم ، قال معناه الزجاج ، ويحتمل أن يكون المعنى على جهتكم وحالكم التي أنتم عليها ، يقال : على مكانتك يا فلان ، إذا أمرته أن يثبت على حاله ، أي : اثبت على ما أنت عليه لا تنحرف عنه . وقال ابن عباس : على ناحيتكم ، والمعنى ما تنحون أي : ما تقصدون من صالح وطالح . وقال ابن زيد : على حالكم . وقال يمان : على مذاهبكم . وقال إسماعيل الضرير : على دينكم في منازلكم لهلاكي ، خطابا لكفار مكة ، ( إني عامل ) لهلاككم . انتهى . وهي ألفاظ متقاربة ، وهذا الأمر أمر تهديد ووعيد ، كقوله : ( اعملوا ما شئتم ) ، وهي التخلية والتسجيل على المأمور بأنه لا يأتي منه إلا الشر ، فكأنه مأمور به وهو واجب عليه حتما ليس له أن يتفصى عنه ويعمل بخلافه ، ومعنى ( إني عامل ) أي : على مكانتي التي أنا عليها . قال الزمخشري : اثبتوا على كفركم وعداوتكم في ، فإني ثابت على الإسلام وعلى مصابرتكم . انتهى . والظاهر أن ( من ) مفعول بـ ( تعلمون ) ، وأجازوا أن يكون مبتدأ اسم استفهام ، وخبره ( تكون ) ، والفعل معلق ، والجملة في موضع المفعول إن كان ( يعلمون ) معدى إلى واحد ، أو في موضع المفعولين إن كان يتعدى إلى مفعولين ، و ( عاقبة الدار ) مآلها وما تنتهي إليه ، والدار يظهر منه أنها دار الآخرة . قال ابن عطية : ويحتمل أن يراد مآل الدنيا بالنصر والظهور ، ففي الآية إعلام بغيب . وقال الزمخشري : العاقبة الحسنى التي خلق الله هذه الدار لها ، وهذا طريق من الإنذار لطيف المسلك فيه إنصاف في المقال وأدب حسن مع تضمن شدة الوعيد والوثوق بأن المنذر محق وأن المنذر مبطل . وقيل : معنى ( من تكون له عاقبة الدار ) أي : من له النصرة في دار الإسلام ومن له الدار الآخرة ، أي : الجنة ، وفي قوله : ( فسوف تعلمون ) من التهديد والوعيد ما لا يخفى ، كقوله : ( سنفرغ لكم أيها الثقلان ) ، ( من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم ) ، وقال الشاعر :


إذا ما التقينا والتقى الرسل بيننا فسوف ترى يا عمرو ما الله صانع



وقال آخر :


ستعلم ليلى أي دين تداينت     وأي غريم للتقاضي غريمها



( إنه لا يفلح الظالمون ) أي : لا يفوزون ، قاله الضحاك . وقال عكرمة : لا يبقون . وقال عطاء : لا يسعد من كفر نعمتي . وقيل : لا يأمنون ولا ينجون من العذاب ، وفيه إشعار بأنهم هم الظالمون الذين لا يفلحون ، وفي قوله : ( فسوف تعلمون من تكون له عاقبة الدار ) ترديد بينه عليه السلام وبينهم ، ومعلوم أن هذا التهديد والوعيد مختص بهم ، وأن عاقبة الدار الحسنى هي له عليه السلام ، ولكنه أجري مجرى قوله : فشركما لخيركما الفداء . وقوله :


فأيي ما وأيك كان شرا     فسيق إلى المقادة في هوان



وقد علم ما هو شر وما هو خير ، ولكنه أبرز في صورة الترديد إظهارا لصورة الإنصاف ورميا [ ص: 227 ] بالكلام على جهة الاشتراك اتكالا على فهم المعنى . وقرأ حمزة والكسائي : من يكون ، بالياء على التذكير ، وكذا في القصص .

التالي السابق


الخدمات العلمية