صفحة جزء
( وقالوا ما في بطون هذه الأنعام خالصة لذكورنا ومحرم على أزواجنا ) الذي في بطونها هو الأجنة ، قاله السدي . وقال الزمخشري : كانوا يقولون في أجنة البحائر والسوائب : ما ولد منها حيا فهو خالص لذكورنا ولا تأكل منه الإناث ، وما ولد ميتا اشترك فيه الذكور والإناث . وقال ابن عباس وقتادة والشعبي : الذي في بطونها هو اللبن . وقال الطبري : اللفظ يعم الأجنة واللبن . انتهى . والظاهر الأجنة لأنها التي في البطن حقيقة ، وأما اللبن : ففي الضرع لا في البطن إلا بمجاز بعيد . وقرأ عبد الله وابن جبير وأبو العالية والضحاك وابن أبي عبلة : خالص بالرفع بغير تاء وهو خبر ما ، و ( لذكورنا ) متعلق به . وقرأ ابن جبير فيما ذكر ابن جني : خالصا بالنصب بغير تاء ، وانتصب على الحال من الضمير الذي تضمنته الصلة ، أو على الحال من ما على مذهب أبي الحسن في إجازته تقديم الحال على العامل فيها ، انتهى ملخصا . ويعني بقوله : على الحال من ( ما ) أي : من ضمير ( ما ) الذي تضمنه خبر ( ما ) وهو ( لذكورنا ) ، ويعني بقوله : في إجازته إلى آخره على العامل فيها إذا كان ظرفا أو مجرورا نحو : زيد قائما في الدار ، وخبر ( ما ) على هذه القراءة هو ( لذكورنا ) . وقرأ ابن عباس والأعرج وقتادة وابن جبير أيضا : ( خالصة ) بالنصب ، وإعرابها كإعراب ( خالصا ) بالنصب ، وخرج ذلك الزمخشري على أنه مصدر مؤكد كالعافية . وقرأ ابن عباس أيضا وأبو رزين وعكرمة وابن [ ص: 232 ] يعمر وأبو حيوة والزهري : ( خالصة ) على الإضافة ، وهو بدل من ( ما ) ، أو مبتدأ خبره ( لذكورنا ) ، والجملة خبر ما . وقرأ الجمهور : ( خالصة ) بالرفع وبالتاء ، وهل التاء للمبالغة كراوية ، أو حملا على معنى ما لأنها أجنة والعام ، أو هو مصدر يبنى على فاعلة كالعافية والعاقبة أي : ذو خلوص ، أقوال . وكان قد سبق لنا أن شيخنا علم الدين العراقي - رحمه الله - ذكر أنه لم يوجد في القرآن حمل على المعنى أولا ثم حمل على اللفظ بعده ، إلا في هذه الآية ، ووعدنا أن نحرر ذلك في مكان ، وما ذكره قاله مكي ، قال : الآية في قراءة الجماعة أتت على خلاف نظائرها في القرآن لأن كل ما يحمل على اللفظ مرة وعلى المعنى مرة إنما يبتدأ أولا بالحمل على اللفظ ، ثم يليه الحمل على معنى نحو ( من آمن بالله ) ، ثم قال : ( فلهم أجرهم ) هكذا يأتي في القرآن وكلام العرب . وهذه الآية تقدم فيها الحمل على المعنى فقال : ( خالصة ) ، ثم حمل على اللفظ فقال : ( ومحرم ) ، ومثله " كل ذلك كان سيئة " في قراءة نافع ومن تابعه فأنث على معنى ( كل ) ; لأنها اسم لجميع ما تقدم مما نهي عنه من الخطايا ، ثم قال : ( عند ربك مكروها ) فذكر على لفظ ( كل ) ، وكذلك ( ما تركبون لتستووا على ظهوره ) حملا على ما ، ووحد الهاء حملا على لفظ ما . وحكي عن العرب : هذا الجراد قد ذهب فأراحنا من أنفسه ، جمع الأنفس ووحد الهاء وذكرها ، انتهى وفيه بعض تلخيص . ومن ذهب إلى أن الهاء للمبالغة أو التي في المصدر كالعافية فلا يكون التأنيث حملا على معنى ما ، وعلى تسليم أنه حمل على المعنى فلا يتعين أن يكون بدأ أولا بالحمل على المعنى ثم بالحمل على اللفظ ; لأن صلة ما متعلقة بفعل محذوف ، وذلك الفعل مسند إلى ضمير ما ، ولا يتعين أن يكون وقالوا : ما استقرت في بطون الأنعام ، بل الظاهر أن يكون التقدير : ما استقر ، فيكون حمل أولا على التذكير ثم ثانيا على التأنيث ، وإذا احتمل هذا الوجه ، وهو الراجح ، لم يكن دليلا على أنه بدأ بالحمل على التأنيث أولا ثم بالحمل على اللفظ ، وقول مكي : هكذا يأتي في القرآن وكلام العرب ، أما القرآن فكذلك هو ، وأما كلام العرب فجاء فيه الحمل على اللفظ أولا ، ثم على المعنى وهو الأكثر ، وجاء الحمل على المعنى أولا ثم على اللفظ ، وأما قوله : ومثله " كل ذلك كان سيئة " فليس مثله ، بل حمل أولا على اللفظ في قوله : ( كان ) ألا ترى أنه أعاد الضمير مذكرا ، ثم على المعنى فقال : سيئة ، وأما قوله : وكذلك " ما تركبون " فليس مثله ، لأنه يحتمل أن يكون التقدير ما تركبونه ، فيكون قد حمل أولا على اللفظ ثم على المعنى في قوله : ظهوره ثم على اللفظ في إفراد الضمير ، وأما هذا الجراد قد ذهب فقد حمل أولا على إفراد الضمير على اللفظ ، ثم جمع على المعنى ثم على اللفظ في إفراد الضمير ، [ ص: 233 ] ومعنى لأزواجنا : لنسائنا ، أي : معدة أن تكون أزواجا ، قاله مجاهد . وقال ابن زيد : لبناتنا .

( وإن يكن ميتة فهم فيه شركاء ) كانوا إذا خرج الجنين ميتا اشترك في أكله الرجال والنساء ، وكذلك ما مات من الأنعام الموقوفة نفسها . وقرأ أبو بكر : وإن تكن بتاء التأنيث ( ميتة ) بالنصب أي وإن تكن الأجنة التي تخرج ميتة . وقرأ ابن كثير : وإن يكن ( ميتة ) بالتذكير وبالرفع على كان التامة وأجاز الأخفش أن تكون الناقصة وجعل الخبر محذوفا ، التقدير وإن تكن في بطونها ميتة وفيه بعد . وقال الزمخشري : وقرأ أهل مكة وإن تكن ( ميتة ) بالتأنيث والرفع ; انتهى . فإن عنى ابن كثير فهو وهم وإن عنى غيره من أهل مكة فيمكن أن يكون نقلا صحيحا وهذه القراءة التي عزاها الزمخشري لأهل مكة هي قراءة ابن عامر . وقرأ باقي السبعة ( وإن يكن ) بالتذكير ( ميتة ) بالنصب على تقدير وإن يكن ما في بطونها ميتة . قال أبو عمرو بن العلاء : ويقوي هذه القراءة قوله : ( فهم فيه شركاء ) ولم يقل فيها ; انتهى . وهذا ليس بجيد لأن الميتة لكل ميت ذكرا كان أو أنثى فكأنه قيل : وإن يكن ميتا ( فهم فيه شركاء ) . وقرأ يزيد : ( ميتة ) بالتشديد . وقرأ عبد الله ( فهم فيه سواء ) . ( سيجزيهم وصفهم ) أي جزاء وصفهم الكذب على الله في التحليل والتحريم من قوله ( ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام ) .

( إنه حكيم عليم ) أي ( حكيم ) في عذابهم ( عليم ) بأحوالهم .

التالي السابق


الخدمات العلمية