على ما قام يشتمني لئيم
ومعنى ( أغويتني ) أضللتني . قاله ابن عباس والأكثرون ، أو لعنتني . قاله الحسن ، أو أهلكتني . قاله ابن الأنباري ، أو خيبتني . قاله بعضهم ، وقيل : ألقيتني غاويا ، وقيل : سميتني غاويا لتكبري عن السجود لمن أنا خير منه ، وقيل : جعلتني في الغي وهو العذاب ، وقيل : قضيت علي من الأفعال الذميمة ، وقيل : أدخلت علي داء الكبر ، وقال الزمخشري : فبسبب إغوائك إياي لأقعدن لهم ، وهو تكليفه إياه ما وقع به في الغي كما ثبتت الملائكة مع كونهم أفضل منه ومن آدم نفسا ومناصب . وعن الأصم أمرتني بالسجود فحملني الأنف على معصيتك ، والمعنى : فبسبب وقوعي في الغي لأجتهدن في إغوائهم حتى يفسدوا بسببي كما فسدت بسببهم . انتهى . وهو والأصم فسرا على مذهب الاعتزال في نفي نسبة الإغواء حقيقة ، وهو الإضلال إلى الله وكذلك من فسر ( أغويتني ) معنى ألفيتني غاويا وهو فرار من ذلك ، وقوله في الملائكة إنهم أفضل من آدم نفسا ومناصب هو مذهب المعتزلة ، وقال محمد بن كعب القرظي : قاتل الله القدرية ، لإبليس أعلم بالله منهم ، يريد في أنه علم أن الله يهدي ويضل ، وجاء رجل من كبار الفقهاء يرمى بالقدر فجلس إلى طاوس في المسجد الحرام فقال له طاوس : تقوم ، أو تقام فقام الرجل فقيل له : أتقول : هذا الرجل فقيه ، فقال : إبليس أفقه منه قال : رب بما أغويتني ، وهذا يقول أنا أغوي نفسي ، وجعل الزمخشري هذه الحكاية من تكاذيب المجبرة وذكرها ، ثم قال كلاما قبيحا يوقف عليه في كتابه وعبر بالقعود عن الثبوت في المكان ، والثابت فيه قالوا : وانتصب " صراطك " على إسقاط على . قاله الزجاج ، وشبهه بقول العرب ضرب زيد الظهر والبطن ، أي : على الظهر والبطن وإسقاط حرف الجر لا ينقاس في مثل هذا . لا يقال قعدت الخشبة تريد قعدت على الخشبة قالوا : أي : على الظرف كما قال الشاعر فيه :كما عسل الطريق الثعلب
وهذا أيضا تخريج فيه ضعف ؛ لأن صراطك ظرف مكان مختص ، وكذلك الطريق فلا يتعدى إليه الفعل إلا بواسطة في ، وما جاء خلاف ذلك شاذ ، أو ضرورة وعلى الضرورة أنشدوا :كما عسل الطريق الثعلب
وما ذهب إليه أبو الحسين بن الطراوة من أن الصراط والطريق ظرف مبهم لا مختص ، رده عليه أهل العربية ، والأولى أن يضمن لأقعدن معنى ما يتعدى بنفسه فينتصب الصراط على أنه مفعول به ، والتقدير : لألزمن بقعودي صراطك المستقيم ، وهذا الصراط هو دين الإسلام وهو الموصل إلى الجنة ، ويضعف ما روي عن ابن مسعود وعون بن عبد الله أنه طريق مكة خصوصا على العقبة المعروفة بعقبة الشيطان يضل الناس عن الحج ، ومعنى قعوده أنه يعترض لهم على طريق الإسلام كما يعترض العدو على الطريق ليقطعه على السابلة وفي الحديث : إن الشيطان قعد لابن آدم بأطرقه نهاه [ ص: 276 ] عن الإسلام ، وقال : أتترك دين آبائك ، فعصاه وأسلم فنهاه عن الهجرة ، وقال : تدع أهلك وبلدك فعصاه فهاجر فنهاه عن الجهاد ، وقال : تقتل وتترك ولدك ، فعصاه فجاهد ، فله الجنة .