صفحة جزء
( وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة ) ، أي : جعلا يلصقان ورقة على ورقة ويلصقانهما بعدما كانت كساهما حلل الجنة ، ظلا يستتران بالورق كما قيل :


لله درهم من فتية بكروا مثل الملوك وراحوا كالمساكين



والأولى أن يعود الضمير في ( عليهما ) على عورتيهما كأنه قيل ( يخصفان ) على سوءتهما من ورق الجنة ، وعاد بضمير الاثنين ؛ لأن الجمع يراد به اثنان ولا يجوز أن يعود الضمير على آدم وحواء ؛ لأنه تقرر في علم العربية أنه لا يتعدى فعل الظاهر والمضمر المتصل إلى المضمر المتصل المنصوب لفظا ، أو محلا في غير باب ظن وفقد وعلم ووجد ، لا يجوز زيد ضربه ولا ضربه زيد ولا زيد مر به زيد ، فلو جعلنا الضمير في ( عليهما ) عائدا على آدم وحواء للزم من ذلك تعدي يخصف إلى الضمير المنصوب محلا ، وقد رفع الضمير المتصل وهو الألف في يخصفان ، فإن أخذ ذلك على حذف مضاف مراد جاز ذلك ، وتقديره : يخصفان على بدنيهما ، قال ابن عباس : الورق الذي خصفا منه ورق الزيتون ، وقيل : ورق شجر التين ، وقيل : ورق الموز ، ولم يثبت تعيينها لا في القرآن ولا في حديث صحيح ، وقرأ أبو السمال ( وطفقا ) بفتح الفاء ، وقرأ الزهري ( يخصفان ) من أخصف ، فيحتمل أن يكون أفعل بمعنى فعل ، ويحتمل أن تكون الهمزة للتعدية من خصف ، أي : يخصفان أنفسهما ، وقرأ الحسن والأعرج ، ومجاهد ، وابن وثاب ( يخصفان ) بفتح الياء وكسر الخاء والصاد وشدها ، وقرأ الحسن فيما روى عنه محبوب كذلك إلا أنه فتح الخاء ، ورويت عن ابن بريدة وعن يعقوب ، وقرئ ( يخصفان ) بالتشديد من خصف على وزن فعل ، وقرأ عبد الله بن يزيد ( يخصفان ) بضم الياء والخاء وتشديد الصاد وكسرها ، وتقرير هذه القراءات في علم العربية .

( وناداهما ربهما ألم أنهكما عن تلكما الشجرة وأقل لكما إن الشيطان لكما عدو مبين ) لما كان وقت الهناء شرف بالتصريح باسمه في النداء ، فقيل : " ويا آدم اسكن " ، وحين كان وقت العتاب أخبر أنه ناداه ولم يصرح باسمه ، والظاهر أنه تعالى كلمهما بلا واسطة ، ويدل على أن الله كلم آدم ما في تاريخ ابن أبي خيثمة أنه - عليه السلام - سئل عن آدم فقال : نبي مكلم ، وقال الجمهور : [ ص: 281 ] إن النداء كان بواسطة الوحي ويؤيده أن موسى - عليه السلام - هو الذي خص من بين العالم بالكلام ، وفي حديث الشفاعة إنهم يقولون له أنت الذي خصك الله بكلامه ، وقد يقال : إنه خصه بكلامه وهو في الأرض ، وأما آدم فكان ذلك له في الجنة ، وقد تقدم لنا في قوله منهم من كلم الله إن منهم محمدا كلمه الله ليلة الإسراء ولم يكلمه في الأرض ، فيكون موسى مختصا بكلامه في الأرض ، وقيل : النداء لآدم على الحقيقة ولم يرو قط أن الله كلم حواء ، والنداء هو دعاء الشخص باسمه العلم ، أو بنوعه ، أو بوصفه ولم يصرح هنا بشيء من ذلك ، والجملة معمولة لقول محذوف ، أي : قائلا : ألم أنهكما وهو استفهام معناه العتاب على ما صدر منهما ، والتنبيه على موضع الغفلة في قوله : ( تلكما الشجرة ) ، ( ولا تقربا هذه الشجرة ) إشارة لطيفة حيث كان مباحا له الأكل قارا ساكنا ، أشير إلى الشجرة باللفظ الدال على القرب والتمكن من الأشجار فقيل : ( ولا تقربا هذه الشجرة ) وحيث كان تعاطي مخالفة النهي وقرب إخراجه من الجنة واضطراب حاله فيها وفر على وجهه فيها قيل : ألم أنهكما عن تلكما فأشير إلى الشجرة باللفظ الدال على البعد والإنذار بالخروج منها ( وأقل لكما ) إشارة إلى قوله تعالى : ( فقلنا يا آدم إن هذا عدو لك ولزوجك فلا يخرجنكما من الجنة فتشقى ) ، وهذا هو العهد الذي نسيه آدم على مذهب من يحمل النسيان على بابه . قال ابن عباس : بين العداوة حيث أبى السجود وقال : ( لأقعدن لهم صراطك المستقيم ) روي أنه تعالى قال لآدم : ألم يكن لك فيما منحتك من شجر الجنة مندوحة عن هذه الشجرة ، فقال بلى وعزتك ، ولكن ما ظننت أن أحدا من خلقك يحلف كاذبا قال فوعزتي لأهبطنك إلى الأرض ، ثم لا تنال إلا كدا . فأهبط ، وعلم صنعة الحديد وأمر بالحرث فحرث وسقى وحصد ودرس وذرا وعجن وخبز ، وقرأ أبي : ألم تنهيا عن تلكما الشجرة ، وقيل لكما .

التالي السابق


الخدمات العلمية