( 
يابني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين   ) كان أهل الجاهلية يطوفون بالبيت عراة وكانوا لا يأكلون في أيام حجهم دسما ، ولا ينالون من الطعام إلا قوتا تعظيما لحجهم فنزلت ، وقيل : كان أحدهم يطوف عريانا ويدع ثيابه وراء المسجد وإن طاف وهي عليه ضرب وانتزعت منه ؛ لأنهم قالوا : لا نعبد الله في ثياب أذنبنا فيها ، وقيل : تفاؤلا ليتعروا من الذنوب كما تعروا من الثياب . والزينة : فعلة من التزين وهو اسم ما يتجمل به من ثياب وغيرها ، كقوله وازينت ، أي : بالنبات ، والزينة هنا المأمور بأخذها هو ما يستر العورة في الصلاة ، قاله 
مجاهد  ، 
والسدي  ، 
 nindex.php?page=showalam&ids=14416والزجاج  ، وقال 
 nindex.php?page=showalam&ids=16248طاوس    : الشملة من الزينة ، وقال 
مجاهد    : ما وارى عورتك ولو عباءة فهو زينة   . وقيل : ما يستر العورة في الطواف ، وفي صحيح 
مسلم  عن 
عروة  أن العرب كانت تطوف عراة إلا الحمس وهم 
قريش  إلا أن تعطيهم الحمس ثيابا فيعطي الرجال الرجال والنساء النساء ، وفي غير 
مسلم    : من لم يكن له صديق 
بمكة  يعيره ثوبا طاف عريانا ، أو في ثيابه وألقاها بعد فلا يمسها أحد ويسمى اللقاء . وقال بعضهم : 
كفى حزنا كري عليه كأنه لقى بين أيدي الطائفين حريم 
وكانت المرأة تنشد وهي تطوف عريانة : 
اليوم يبدو بعضه أو كله     وما بدا منه فلا أحله 
فلما بعث الله رسوله - صلى الله عليه وسلم - ، وأنزل عليه : ( 
يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد   ) أذن مؤذن الرسول : 
nindex.php?page=hadith&LINKID=10374410ألا لا يحج البيت بعد العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان ، وكان النداء 
بمكة  سنة تسع ، وقال 
عطاء  ، وأبو روق    : تسريح اللحى وتنويرها بالمشط والترجيل ، وقيل : التزين بأجمل اللباس في الجمع والأعياد ، ذكره 
الماوردي  ، وقيل : رفع اليدين في تكبيرة الإحرام والركوع والرفع منه ، وقيل : إقامة الصلاة في الجماعة بالمساجد وكان ذلك زينة لهم لما في الصلاة من حسن الهيئة ومشابهة صفوف الملائكة ، ولما فيها من إظهار الألفة وإقامة شعائر الدين ، وقيل : لبس النعال في الصلاة وفيه حديث عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة  ، وقال 
ابن عطية    : وما أحسبه يصح ، وقال أيضا : الزينة هنا الثياب الساترة   
[ ص: 290 ] ويدخل فيها ما كان من الطيب للجمعة والسواك وبدل الثياب ، وكل ما أوجد استحسانه في الشريعة ولم يقصد به الخيلاء ، وعند كل مسجد يريد عند كل موضع سجود ، فهو إشارة إلى الصلوات وستر العورة فيها ، هو مهم الأمر ، ويدخل في الصلاة مواطن الخير كلها ، ومع ستر العورة ما ذكرنا من الطيب للجمعة . انتهى . وقال 
 nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري    : ( 
خذوا زينتكم   ) ، أي : ريشكم ولباس زينتكم ( 
عند كل مسجد   ) كلما صليتم وكانوا يطوفون عراة . انتهى . والذي يظهر أن الزينة هو ما يتجمل به ويتزين به عند الصلاة ولا يدخل فيه ما يستر العورة ؛ لأن ذلك مأمور به مطلقا ولا يختص بأن يكون ذلك عند كل مسجد ، ولفظة ( 
كل مسجد   ) تأتي أن يكون أيضا ما يستر العورة في الطواف لعمومه ، والطواف إنما هو الخاص وهو 
المسجد الحرام  وليس بظاهر حمل العموم على كل بقعة منه ، وأيضا فيا بني 
آدم  عام وتقييد الأمر بما يستر العورة في الطواف مفض إلى تخصيصه بمن يطوف بالبيت ، وقال 
أبو بكر الرازي  في الآية دليل على فرض 
ستر العورة في الصلاة وهو قول 
أبي يوسف  ، وزفر  ، ومحمد   nindex.php?page=showalam&ids=14111، والحسن بن زياد   nindex.php?page=showalam&ids=13790، والشافعي  لقوله : ( 
عند كل مسجد   ) علق الأمر به فدل على أنه الستر للصلاة ، وقال 
مالك  ، 
الليث    : 
كشف العورة حرام ، ويوجبان الإعادة في الوقت استحبابا إن صلى مكشوفها ، وقال 
الأبهري    : هي فرض في الجملة وعلى الإنسان أن يسترها في الصلاة وغيرها وهو الصحيح لقوله - صلى الله عليه وسلم - 
 nindex.php?page=showalam&ids=83للمسور بن مخرمة    : 
nindex.php?page=hadith&LINKID=10374411ارجع إلى قومك ولا تمشوا عراة ، أخرجه 
مسلم    ( 
وكلوا واشربوا   ) ، قال 
الكلبي    : معناه كلوا من اللحم والدسم واشربوا من الألبان ، وكانوا يحرمون جميع ذلك في الإحرام ، وقال 
 nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي    : كلوا من البحيرة وأخواتها ، والظاهر أنه أمر بإباحة الأكل والشرب من كل ما يمكن أن يؤكل ، أو يشرب مما يحظر أكله وشربه في الشريعة وإن كان النزول على سبب خاص كما ذكروا من امتناع المشركين من أكل اللحم والدسم أيام إحرامهم ، أو 
بني عامر  دون سائر العرب من ذلك ، وقول المسلمين بذلك والنهي عن الإسراف يدل على التحريم لقوله : ( 
إنه لا يحب المسرفين   ) ، قال 
 nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس    : الإسراف الخروج عن حد الاستواء ، وقال أيضا ( لا تسرفوا ) في تحريم ما أحل لكم ، وقال أيضا : 
كل ما شئت والبس ما شئت ما أخطأتك خصلتان سرف ومخيلة ، وقال 
ابن زيد    : الإسراف أكل الحرام ، وقال 
 nindex.php?page=showalam&ids=14416الزجاج  الإسراف الأكل من الحلال فوق الحاجة ، وقال 
مقاتل    : الإسراف الإشراك ، وقيل : الإسراف مخالفة أمر الله في طوافهم عراة يصفقون ويصفرون ، وقال 
 nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس  أيضا : ليس في الحلال سرف إنما السرف في ارتكاب المعاصي ، قال 
ابن عطية    : يريد في الحلال القصد ، واللفظة تقتضي النهي عن السرف مطلقا فيمن تلبس بفعل حرام ، فتأول تلبسه به حصل من المسرفين ، وتوجه النهي عليه ومن تلبس بفعل مباح فإن مشى فيه على القصد وأوساط الأمور فحسن ، وإن أفرط حتى دخل الضرر حصل أيضا من المسرفين وتوجه النهي عليه ، مثال ذلك أن يفرط في شراء ثياب ، أو نحوها ويستنفد في ذلك حل ماله ، أو يعطي ماله أجمع ، ويكابد بعياله الفقر بعد ذلك ، أو نحوه فالله عز وجل لا يحب شيئا من هذا ، وقد نهت الشريعة عنه . انتهى . وحكى المفسرون هنا أن نصرانيا طبيبا 
للرشيد  أنكر أن يكون في القرآن ، أو في حديث الرسول شيء من الطب فأجيب بقوله : ( 
وكلوا واشربوا ولا تسرفوا   ) وبقوله 
المعدة بيت الداء و 
الحمية رأس كل دواء و 
أعط كل بدن ما عودته فقال النصراني : ما ترك كتابكم ولا نبيكم 
لجالينوس  طبا . 
( 
قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق   ) : ( 
زينة الله   ) ما حسنته الشريعة وقررته مما يتجمل به من الثياب وغيرها وأضيفت إلى الله ؛ لأنه هو الذي أباحها ، والطيبات هي المستلذات من المأكول والمشروب بطريقة   
[ ص: 291 ] وهو الحل ، وقيل : الطيبات المحللات ، ومعنى الاستفهام إنكار تحريم هذه الأشياء ، وتوبيخ محرميها ، وقد كانوا يحرمون أشياء من لحوم الطيبات وألبانها ، والاستفهام إذا تضمن الإنكار لا جواب له . وتوهم 
 nindex.php?page=showalam&ids=17140مكي  هنا أن له جوابا هنا ، وهو قوله : ( 
قل هي   ) توهم فاسد ، ومعنى ( أخرج ) أبرزها وأظهرها ، وقيل : فصل حلالها من حرامها . 
( 
قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة   ) قرأ 
قتادة    : قل هي لمن آمن ، وقرأ 
نافع    ( خالصة ) بالرفع ، وقرأ باقي السبعة بالنصب ، فأما النصب فعلى الحال ، والتقدير : قل هي مستقرة للذين آمنوا في حال خلوصها لهم يوم القيامة ، وهي حال من الضمير المستكن في الجار والمجرور الواقع خبرا لهي و ( 
في الحياة   ) متعلق بآمنوا ويصير المعنى قل هي خالصة يوم القيامة لمن آمن في الدنيا ولا يعني بيوم القيامة وقت الحساب ، وخلوصها كونهم لا يعاقبون عليها ، وإلى هذا المعنى يشير تفسير 
ابن جبير  ، وجوزوا فيه أن يكون خبرا بعد خبر ، والخبر الأول هو ( 
للذين آمنوا   ) و ( 
في الحياة الدنيا   ) متعلق بما تعلق به للذين ، وهو الكون المطلق ، أي : قل هي كائنة في الحياة الدنيا للمؤمنين وإن كان يشركهم فيها في الحياة الدنيا الكفار و ( خالصة لهم يوم القيامة ) ويراد بيوم القيامة استمرار الكون في الجنة ، وهذا المعنى من أنها لهم ولغيرهم في الدنيا خالصة لهم يوم القيامة هو قول 
 nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس  ، 
والضحاك  ، 
وقتادة  ، 
والحسن  ، 
 nindex.php?page=showalam&ids=13036وابن جريج  ، 
وابن زيد  وعلى هذا المعنى فسر 
 nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري  ، فإن قلت : إذا كان معنى الآية أنها لهم في الدنيا على الشركة بينهم وبين الكفار فكيف جاء ( 
قل هي للذين آمنوا   ) ، فالجواب : من وجوه ، أحدها : إن في الكلام حذفا تقديره قل هي للمؤمنين والكافرين في الدنيا خالصة للمؤمنين في القيامة لا يشاركون فيها . قاله 
الكرماني  ، الثاني : إن ما تعلق به للذين آمنوا ليس كونا مطلقا ، بل كونا مقيدا يدل على حذفه مقابله ، وهو ( 
خالصة   ) تقديره قل هي غير خالصة للذين آمنوا . قاله 
 nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري  قال : قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا غير خالصة لهم ؛ لأن المشركين شركاؤهم فيها ، خالصة يوم القيامة لا يشركهم فيها أحد ، ثم قال 
 nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري    : فإن قلت : هلا قيل للذين آمنوا ولغيرهم ، قلت : النية على أنها خلقت للذين آمنوا على طريق الأصالة ، وأن الكفرة تبع لهم كقوله تعالى : ( 
ومن كفر فأمتعه قليلا ثم أضطره   ) . انتهى . وجواب 
 nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري  هو 
للتبريزي  رحمه الله ، قال 
التبريزي  معنى الآية أنها للمؤمنين خالصة في الآخرة لا يشركهم الكفار فيها هذا وإن كان مفهومه الشركة بين الذين آمنوا والذين أشركوا وهو كذلك ؛ لأن الدنيا عرض حاضر يأكل منها البر والفاجر ، إلا أنه أضاف إلى المؤمنين ولم يذكر الشركة بينهم وبين الذين أشركوا في الدنيا تنبيها على أنه إنما خلقها للذين آمنوا بطريق الأصالة ، والكفار تبع لهم فيها في الدنيا ولذلك خاطب الله المؤمنين بقوله تعالى : ( 
هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا   ) . انتهى . وقال 
أبو علي  في الحجة ويصح أن يعلق قوله : ( 
في الحياة الدنيا   ) بقوله : ( 
حرم   ) ولا يصح أن يتعلق بقوله : ( 
أخرج لعباده   ) ويجوز ذلك وإن فصل بين الصلة والموصول بقوله : ( 
هي للذين آمنوا   ) ؛ لأن ذلك كلام يشد القصة وليس بأجنبي منها جدا ، كما جاز ذلك في قوله : ( 
والذين كسبوا السيئات جزاء سيئة بمثلها وترهقهم ذلة   ) فقوله : ( 
وترهقهم ذلة   ) معطوف على كسبوا داخل في الصلاة ، والتعلق بأخرج هو قول الأخفش ، ويصح أن يتعلق بقوله : ( 
والطيبات   ) ويصح أن يتعلق بقوله : ( 
من الرزق   ) . انتهى . وتقادير 
أبي علي  والأخفش  فيها تفكيك للكلام وسلوك به غير ما تقتضيه الفصاحة ، وهي تقادير أعجمية بعيدة عن البلاغة لا تناسب في كتاب الله ، بل لو قدرت في شعر 
الشنفرى  ما ناسب . والنحاة الصرف غير الأدباء بمعزل عن إدراك الفصاحة ، وأما تشبيه ذلك بقوله : ( 
والذين كسبوا   ) فليس ما قاله بمتعين فيه ، بل ولا ظاهر ، بل قوله : ( 
جزاء سيئة بمثلها   ) هو خبر عن النهي ،   
[ ص: 292 ] أي : جزاء سيئة منهم بمثلها ، وحذف منهم لدلالة المعنى عليه كما حذف من قولهم السمن منوان بدرهم ، أي : منوان منه ، وقوله : ( 
وترهقهم ذلة   ) معطوف على ( 
جزاء سيئة بمثلها   ) وسيأتي توضيح هذا بأكثر في موضعه إن شاء الله تعالى . 
( 
كذلك نفصل الآيات لقوم يعلمون   ) ، أي : مثل تفصيلنا وتقسيمنا السابق نقسم في المستقبل لقوم لهم علم وإدراك ؛ لأنه لا ينتفع بذلك إلا من علم ، لقوله : ( 
وما يعقلها إلا العالمون   ) .