صفحة جزء
( واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد عاد وبوأكم في الأرض تتخذون من سهولها قصورا وتنحتون الجبال بيوتا فاذكروا آلاء الله ولا تعثوا في الأرض مفسدين ) [ ص: 329 ] ذكر صالح قومه بما ذكر به هود قومه فذكر أولا نعما خاصة ، وهي جعلهم خلفاء بعد الأمة التي سبقتهم ، وذكر هود لقومه ما اختصوا به من زيادة البسطة في الخلق وذكر صالح لقومه ما اختصوا به من اتخاذ القصور من السهول ونحت الجبال بيوتا ، ثم ذكر أنعما عامة بقولهما ( فاذكروا آلاء الله ) ، ومعنى ( وبوأكم في الأرض ) أنزلكم بها وأسكنكم إياها ، والمباءة : المنزل في الأرض وهو من باء ، أي : رجع ، وتقدم ذكره ، والأرض هنا الحجر ما بين الحجاز والشام ، و " تتخذون " حال ، أو تفسير لقوله : ( وبوأكم في الأرض ) فلا موضع له من الإعراب ، والظاهر أن بعض السهول اتخذوه قصورا ، أي : بنوا فيه قصورا ، وأنشئوها فيه ولم يستوعبوا جميع سهولها بالقصور ، وقال الزمخشري : ( من سهولها قصورا ) ، أي : يبنونها من سهولة الأرض بما يعملون منها الرهص واللبن والآجر يعني أن القصور التي بنوها أجزاؤها متخذة من لين الأرض كالجيار والآجر والجص كقوله : ( واتخذ قوم موسى من بعده من حليهم عجلا ) يعني أن الصورة كانت مادتها من الحلي كما أن القصور مادتها من سهول الأرض والأجزاء التي صنعت منها ، وظاهر الاتخاذ هنا العمل فيتعدى ( تتخذون ) إلى مفعول واحد ، وقيل : يتعدى إلى اثنين والمجرور هو الثاني ، وقرأ الحسن ( وتنحتون ) بفتح الحاء ، وزاد الزمخشري : أنه قرأ ( وتنحاتون ) بإشباع الفتحة قال كقوله :


ينباع من ذفري غضوب جسرة

انتهى . وقرأ ابن مصرف بالياء من أسفل وكسر الحاء ، وقرأ أبو مالك بالباء من أسفل وفتح الحاء ومن قرأ بالياء فهو التفات ، وانتصب ( بيوتا ) على أنها حال مقدرة إذ لم تكن الجبال وقت النحت بيوتا كقولك إبر لي هذه اليراعة قلما وخط لي هذا قباء ، وقيل : مفعول ثان على تضمين ( وتنحتون ) معنى وتتخذون ، وقيل : مفعول بتنحتون و ( الجبال ) نصب على إسقاط من ، أي : من الجبال ، وقرأ الأعمش ( تعثوا ) بكسر التاء لقولهم أنت تعلم وهي لغة و ( مفسدين ) حال مؤكدة ، قال ابن عباس : القصور لمصيفهم والبيوت في الجبال لمشتاهم ، وقيل : نحتوا الجبال لطول أعمارهم كانت القصور تخرب قبل موتهم ، قال وهب : كان الرجل يبني البنيان فتمر عليه مائة سنة فيخرب ، ثم يجدده فتمر عليه مائة سنة فيخرب ، ثم يجدده فتمر عليه مائة سنة فيخرب فأضجرهم ذلك فاتخذوا الجبال بيوتا .

التالي السابق


الخدمات العلمية