صفحة جزء
( قال عسى ربكم أن يهلك عدوكم ويستخلفكم في الأرض فينظر كيف تعملون ) [ ص: 369 ] هذا رجاء من نبي الله موسى - عليه السلام - ، ومثله من الأنبياء يقوي قلوب أتباعهم فيصبرون إلى وقوع متعلق الرجاء ، ولا تنافي بين هذا الرجاء وبين قوله : ( والعاقبة للمتقين ) من حيث إن الرجاء غير مقطوع بحصول متعلقه ، والإخبار بأن العاقبة للمتقين واقع لا محالة ؛ لأن العاقبة إن كانت في الآخرة فظاهر جدا عدم التنافي ، وإن كانت في الدنيا فليس فيها تصريح بعاقبة هؤلاء القوم المخصوصين ، فسلك موسى طريق الأدب مع الله وساق الكلام مساق الرجاء ، وقال التبريزي يحتمل أن يكون قد أوحى بذلك إلى موسى فعسى للتحقيق ، أو لم يوح فيكون على الترجي منه ، قال الزمخشري : تصريح بما رمز إليه من البشارة قبل ، وكشف عنه ، وهو إهلاك فرعون واستخلافهم بعده في أرض مصر ، وقال ابن عطية : واستعطاف موسى لهم بقوله : ( عسى ربكم أن يهلك عدوكم ) ووعده لهم بالاستخلاف في الأرض يدل على أنه يستدعي نفوسا نافرة ، ويقوي هذا الظن في جهة بني إسرائيل ، وسلوكهم هذا السبيل في غير قصة ، والأرض هنا أرض مصر . قاله ابن عباس ، وقد حقق الله هذا الرجاء بوقوع متعلقه فأغرق فرعون وملكهم مصر ومات داود وسليمان ، وقيل : أرض الشام فقد فتحوا بيت المقدس مع يوشع وملكوا الشام ومات داود وسليمان ، ومعنى ( فينظر كيف تعملون ) ، أي : في استخلافكم من الإصلاح والإفساد ، وهي جملة تجري مجرى البعث والتحريض على طاعة الله تعالى وفي الحديث : إن الدنيا حلوة خضرة ، وإن الله مستخلفكم فيها فناظر كيف تعملون ، وقال الزمخشري : فيرى الكائن منكم من العمل حسنه وقبيحه وشكر النعمة وكفرانها ليجازيكم على حسب ما يوجد منكم . انتهى . وفيه تلويح الاعتزال . ودخل عمرو بن عبيد وهو أحد كبار المعتزلة وزهادهم على المنصور ثاني خلفاء بني العباس قبل الخلافة وعلى مائدته رغيف ، أو رغيفان ، وطلب زيادة لعمرو فلم توجد فقرأ عمرو هذه الآية ، ثم دخل عليه بعد ما استخلف ، فذكر له ذلك ، وقال : قد بقي ( فينظر كيف تعملون ) .

التالي السابق


الخدمات العلمية