واتخذ قوم موسى من بعده من حليهم عجلا جسدا له خوار   ) إن كان الاتخاذ بمعنى اتخاذه إلها معبودا ، فصح نسبته إلى القوم ، وذكر أنهم كلهم عبدوه غير 
هارون  ، ولذلك قال : 
رب اغفر لي ولأخي   ) ; وقيل : إنما عبده قوم منهم لا جميعهم لقوله : 
ومن قوم موسى  أمة يهدون بالحق وإن كان بمعنى العمل ، كقوله : 
كمثل العنكبوت اتخذت بيتا ، أي : عملت وصنعت ، فالمتخذ إنما هو 
السامري  ، واسمه 
موسى بن ظفر  ، من قرية تسمى 
سامرة  ، ونسب ذلك إلى قوم 
موسى  مجازا ، كما قالوا : 
بنو تميم  قتلوا فلانا ، وإنما قتله واحد منهم ، ولكونهم راضين بذلك ، ومعنى : من بعده من بعد مضيه للمناجاة و 
من حليهم متعلق بـ اتخذ وبها يتعلق من بعده وإن كانا حرفي جر بلفظ   
[ ص: 392 ] واحد ، وجاز ذلك لاختلاف مدلوليهما ; لأن من الأولى لابتداء الغاية ، والثانية للتبعيض ، وأجاز 
أبو البقاء  أن يكون : 
من حليهم في موضع الحال فيتعلق بمحذوف ; لأنه لو تأخر لكان صفة ، أي : عجلا ) كائنا من حليهم . وقرأ الأخوان من : حليهم ) بكسر الحاء إتباعا لحركة اللام ، كما قالوا : عصى ، وهي قراءة أصحاب 
عبد الله  ، 
 nindex.php?page=showalam&ids=17340ويحيى بن وثاب  ، 
وطلحة  ، 
 nindex.php?page=showalam&ids=13726والأعمش  ، وقرأ باقي السبعة 
والحسن  وأبو جعفر  وشيبة  بضم الحاء ، وهو جمع حلي نحو ثدي وثدي ، ووزنه فعول ، اجتمعت ياء وواو ، وسبقت إحداهما بالسكون ، فقلبت الواو ياء ، وأدغمت في الياء ، وكسر ما قبلها لتصح الياء ، وقرأ 
يعقوب    : 
من حليهم   ) بفتح الحاء وسكون اللام ، وهو مفرد يراد به الجنس ، أو اسم جنس مفرده حلية كتمر وتمرة ، وإضافة الحلي إليهم إما لكونهم ملكوه من ما كان على قوم فرعون حين غرقوا ولفظهم البحر ، فكان كالغنيمة ، ولذلك أمر 
هارون  بجمعه حتى ينظر 
موسى  إذا رجع في أمره ، أو ملكوه إذ كان من أموالهم التي اغتصبها القبط بالجزية التي كانوا وضعوها عليهم ، فتحيل بنو إسرائيل على استرجاعها إليهم بالعارية ، وإما لكونهم لم يملكوه لكن تصرفت أيديهم فيه بالعارية ، فصحت الإضافة إليهم لأنها تكون بأدنى ملابسة . روى 
 nindex.php?page=showalam&ids=17317يحيى بن سلام  ، عن 
الحسن    : أنهم استعاروا الحلي من القبط لعرس   ; وقيل : ليوم زينة ، ولما هلك فرعون وقومه بقي الحلي معهم وكان حراما عليهم ، وأخذ 
بنو إسرائيل  في بيعه وتمحيقه ، فقال 
السامري  لهارون    : إنه عارية وليس لنا ، فأمر 
هارون  مناديا برد العارية ليرى فيها 
موسى  رأيه إذا جاء ، فجمعه وأودعه 
هارون  عند 
السامري  وكان صائغا ، فصاغ لهم صورة عجل من الحلي ; وقيل : منعهم من رد العارية خوفهم أن يطلع القبط على سراهم ; إذ كان تعالى أمر 
موسى  أن يسري بهم ، والعجل : ولد البقرة القريب الولادة ، ومعنى جسدا ) جثة جمادا ; وقيل : بدنا بلا رأس ذهبا مصمتا ; وقيل : صنعه مجوفا ، قال 
 nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري    : جسدا بدنا ذا لحم ودم كسائر الأجساد ، قال 
الحسن    : إن 
السامري  قبض قبضة من تراب من أثر فرس 
جبريل    - عليه السلام - يوم قطع البحر فقذفه في في العجل ، فكان عجلا له خوار ، انتهى . وهذا ضعيف ، أعني : كونه لحما ودما ; لأن الآثار وردت بأن 
موسى  برده بالمبارد وألقاه في البحر ، ولا يبرد اللحم ، بل كان يقتل ويقطع ، وقال 
 nindex.php?page=showalam&ids=12590ابن الأنباري    : ذكر الجسد دلالة على عدم الروح فيه ، انتهى ، وظاهر قوله : له خوار يدل على أنه فيه روح ; لأنه لا يخور إلا ما فيه روح ; وقيل : لما صنعه أجوف تحيل لتصويته ، بأن جعل في جوفه أنابيب على شكل مخصوص وجعله في مهب الرياح فتدخل في تلك الأنابيب فيظهر صوت يشبه الخوار ; وقيل : جعل تحته من ينفخ فيه من حيث لا يشعر به ، فيسمع صوت من جوفه كالخوار ، وقال 
الكرماني    : جعل في بطن العجل بيتا يفتح ويغلق ، فإذا أراد أن يخور أدخله غلاما يخور بعلامة بينهما إذا أراد ; وقيل : يحتمل أن يكون الله أخاره ليفتن 
بني إسرائيل  ، وخواره قيل : مرة واحدة ولم يثن ، رواه 
أبو صالح  عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس    ; وقيل : مرارا ، فإذا خار سجدوا وإذا سكت رفعوا رءوسهم ، وقاله 
 nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس  وأكثر المفسرين ، وقرأ 
علي  وأبو السمأل  وفرقة ( جؤار ) : بالجيم والهمز من جأر إذا صاح بشدة صوت وانتصب جسدا ، قال 
 nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري    : على البدل ، وقال 
الحوفي  ، على النعت ، وأجازهما 
أبو البقاء  وأن يكون عطف بيان ، وإنما قال : جسدا ; لأنه يمكن أن يتخذ مخطوطا أو مرقوما في حائط أو حجر أو غير ذلك ، كالتماثيل المصورة بالرقم والخط والدهان والنقش ، فبين تعالى أنه ذو جسد .