صفحة جزء
( والذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون ) : لما ذكر أهل النار ، وما أعد لهم من الهلاك : أتبع ذلك بذكر أهل الإيمان ، وما أعد لهم من الخلود في الجنان . والمراد بالذين آمنوا أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - ومؤمنو الأمم قبله ، قاله ابن عباس وغيره ، وهو ظاهر اللفظ ، وقال ابن زيد : هو خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم وأمته ، وقل ما ذكر في القرآن آية في الوعيد ، إلا وذكرت آية في الوعد . وفائدة ذلك ظهور عدله تعالى ، [ ص: 280 ] واعتدال رجاء المؤمن وخوفه ، كمال رحمته بوعده وحكمته بوعيده . وقد تضمنت هذه الآيات الكريمة استبعاد طمع المؤمنين في إيمان من سبق من آبائه التشريف بسماع كلام الله ، ثم مقابلة ذلك بعظيم التحريف ، هذا على علم منهم بقبيح ما ارتكبوه . وهؤلاء المطموع في إيمانهم هم أبناء أولئك المحرفين ، فهم على طريقة آبائهم في الكفر ، ثم قد انطووا من حيث السريرة على مداجاة المؤمنين ، بحيث إذا لقوهم أفهموهم أنهم مؤمنون ، وإذا خلا بعضهم إلى بعض ، أنكروا عليهم ما يتكلمون به مع المؤمنين من إخبار بشيء مما في كتبهم ، وذلك مخافة أن يحتج المؤمنون عليهم بما في كتابهم ، ثم أنكر تعالى عليهم ذلك بأنهم قد علموا أن الله يعلم سرهم ونجواهم ، فلا يناسب ذلك إلا الانقياد إلى كتاب الله ، والإخبار بما فيه ، واتباع ما تضمنه من الأمر ، باتباع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والإيمان بما يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل ، ولكنهم كفروا عنادا ( وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا ) .

ثم لما ذكر حال هؤلاء الذين هم من أهل العلم ، ولم ينتفعوا بعلمهم ، ذكر أيضا مقلدتهم وعوامهم ، وأنهم لا يعلمون من الكتاب إلا ألفاظا مسموعة ، وأن طريقهم في أصول دياناتهم إنما هو حسن ظنهم بعلمائهم المحرفين المبدلين . ثم توعد الله تعالى بالهلاك والحسرة من حرف كلام الله وادعى أنه من عند الله لتحصيل غرض من الدنيا تافه نزر لا يبقى ، فباع باقيا بفان .

ثم كرر الوعيد على ما فعلوه ، ثم أخبر عنهم بما صدر عنهم من الكذب البحت ، بأن لبثهم في النار " أياما معدودة " ، وأن ذلك إخبار ليس صادرا عن عهد اتخذوه عند الله ، بل قول على الله بما لا علم لهم به ، ثم رد عليهم دعواهم تلك بقوله : ( بلى ) ، ثم قسم الناس إلى قسمين كافر ، وهو صاحب النار ، ومؤمن وهو صاحب الجنة ، وأنهم اندرجوا تحت قسم الكافر ، لأنهم كسبوا السيئات ، وأحاطت بهم الخطيئات ، وناهيك ما اقتص الله فيهم من أول السورة إلى هنا ، وما يقص بعد ذلك مما ارتكبوه من الكفر والمخالفات .

التالي السابق


الخدمات العلمية