صفحة جزء
إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح وإن تنتهوا فهو خير لكم وإن تعودوا نعد ولن تغني عنكم فئتكم شيئا ولو كثرت وأن الله مع المؤمنين تقدم ذكر المؤمنين والكافرين ، وسبق الخطاب للمؤمنين بقوله : فلم تقتلوهم وبقوله : ذلكم فحمله قوم على أنه خطاب للمؤمنين ، ويؤيده قوله : فقد جاءكم الفتح ; إذ لا يليق هذا الخطاب إلا بالمؤمنين على إرادة النصر بالاستفتاح ، وأن حمله على البيان والحكم ناسب أن يكون خطابا للكفار والمؤمنين ، فإذا كان خطابا للمؤمنين فالمعنى : إن تستنصروا فقد جاءكم النصر وإن تنتهوا عن مثل ما فعلتموه في الغنائم والأسرى قبل الإذن فهو خير لكم ، وإن تعودوا إلى مثل ذلك نعد إلى توبيخكم ، كما قال : لولا كتاب من الله سبق الآية ، ثم أعلمهم أن الفئة وهي الجماعة لا تغني وإن كثرت إلا بنصر الله ومعونته ، ثم آنسهم بإخباره أنه تعالى مع المؤمنين ، وقال الأكثرون : هي خطاب لأهل مكة على سبيل التهكم ، وذلك أنه حين أرادوا أن ينفروا تعلقوا بأستار الكعبة ، وقالوا : اللهم انصر أقرانا للضيف ، وأوصلنا للرحم ، وأفكنا للعاني ، إن كان محمد على حق فانصره ، وإن كنا على حق فانصرنا ، وروي أنهم قالوا : اللهم انصر أعلى الجندين وأهدى الفئتين وأكرم الحزبين ، وروي أن أبا جهل قال صبيحة يوم بدر : اللهم أينا كان أهجر وأقطع للرحم فاحنه اليوم ، أي : فأهلكه ، وروي عنه دعا شبه هذا ، وقال الحسن ومجاهد وغيرهما : كان هذا القول من قريش وقت خروجهم لنصرة العير ، وقال النضر بن الحارث : اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك الآية ، وهو ممن قتل يوم بدر ، وعلى هذا القول يكون معنى قوله [ ص: 479 ] فقد جاءكم الفتح ولكنه كان للمسلمين عليكم ; وقيل : معناه : فقد جاءكم ما بان لكم به الأمر ، واستقر به الحكم ، وانكشف لكم الحق به ، ويكون الاستفتاح على هذا بمعنى الحكم والقضاء ، وإن انتهوا عن الكفر ، وإن تعودوا إلى هذا القول وقتال محمد بعد نعد إلى نصر المؤمنين وخذلانكم ، وقالت فرقة : إن تستفتحوا خطاب للمؤمنين ، وإن تنتهوا خطاب للكافرين ، أي : وإن تنتهوا عن عداوة رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو خير لكم وإن تعودوا لمحاربته نعد لنصرته عليكم ، وقال الكرماني : وإن تنتهوا عن أمر الأنفال وفداء الأسرى ببدر وإن تعودوا إلى معصية الله نعد إلى الإنكار ، وقرئ : ولن يغني ، بالياء ; لأن التأنيث مجاز ، وحسنه الفضل ، وقرأ الصاحبان وحفص : وأن الله ، بفتح الهمزة ، وباقي السبعة بكسرها ، وابن مسعود : والله مع المؤمنين .

التالي السابق


الخدمات العلمية