صفحة جزء
( ولا تكونوا كالذين قالوا سمعنا وهم لا يسمعون ) نهى عن أن يكونوا كالذين ادعوا السماع ، والمشبه بهم اليهود أو المنافقون أو المشركون ، أو الذين قالوا : قد سمعنا لو نشاء لقلنا مثل هذا ، أو بنو عبد الدار بن قصي ولم يسلم منهم إلا رجلان مصعب بن عمير وسويد بن حرملة ، أو النضر بن الحارث ومن تابعه ، ستة أقوال ، ولما لم يجد سماعهم ، ولا أثر فيهم [ ص: 480 ] نفى عنهم السماع لانتفاء ثمرته ; إذ ثمرة سماع الوحي تصديقه والإيمان به ، والمعنى : أنكم تصدقون بالقرآن والنبوة ، فإذا صدر منكم تول عن الطاعة كان تصديقكم كلا تصديق ، فأشبه سماعكم سماع من لا يصدق ، وجاءت الجملة النافية على غير لفظ المثبتة إذ لم تأت وهم ما سمعوا ; لأن لفظ المضي لا يدل على استمرار الحال ولا ديمومته بخلاف نفي المضارع ، فكما يدل إثباته على الديمومة في قولهم : هو يعطي ويمنع ، كذلك يجيء نفيه ، وجاء حرف النفي لا ؛ لأنها أوسع في نفس المضارع من ما ، وأدل على انتفاء السماع في المستقبل ، أي : هم ممن لا يقبل أن يسمع . ( إن شر الدواب عند الله الصم البكم الذين لا يعقلون ) لما أخبر تعالى أن هؤلاء المشبه بهم لا يسمعون أخبر أن شر الحيوان الذي يدب الصم ، أو أن شر البهائم ، فجمع بين هؤلاء وبين جمع الدواب ، وأخبر أنهم شر الحيوان مطلقا ، ومعنى الصم عن ما يلقى إليهم من القرآن ، البكم عن الإقرار بالإيمان وما فيه نجاتهم ، ثم جاء بانتفاء الوصف المنتج لهم الصمم والبكم الناشئين عنه ، وهو العقل ، وكان الابتداء بالصمم ; لأنه ناشئ عنه البكم ; إذ يلزم أن يكون كل أصم خلقه أبكم ; لأن الكلام إنما يتلقنه ويتعلمه من كان سالم حاسة السمع ، وهذا مطابق لقوله تعالى ( صم بكم عمي فهم لا يعقلون ) إلا أنه زاد في هذا وصف العمى ، وكل هذه الأوصاف كناية عن انتفاء قبولهم للإيمان وإعراضهم عما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم ، وظاهر هذه الأخبار العموم ; وقيل : نزلت في طائفة من بني عبد الدار كانوا يقولون : نحن صم بكم عمي عما جاء به محمد لا نسمعه ولا نجيبه ، فقتلوا جميعا ببدر وكانوا أصحاب اللواء ، وقال ابن جريج : هم المنافقون ، وقال الحسن : هم أهل الكتاب .

التالي السابق


الخدمات العلمية