صفحة جزء
قوله تعالى : فمن كان يرجوا لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا .

قوله في هذه الآية : فمن كان يرجوا لقاء ربه [ 18 \ 110 ] ، يشمل كونه يأمل ثوابه ، ورؤية وجهه الكريم يوم القيامة ، وكونه يخشى عقابه ، أي : فمن كان راجيا من ربه يوم يلقاه الثواب الجزيل والسلامة من الشر فليعمل عملا صالحا .

وقد قدمنا إيضاح العمل الصالح وغير الصالح في أول هذه السورة الكريمة وغيرها ، فأغنى عن إعادته هنا .

وقولـه : ولا يشرك بعبادة ربه أحدا ، قال جماعة من أهل العلم ، أي : لا يرائي الناس في عمله ; لأن العمل بعبادة الله لأجل رياء الناس من نوع الشرك ، كما هو معروف عند العلماء أن الرياء من أنواع الشرك ، وقد جاءت في ذلك أحاديث مرفوعة ، وقد ساق طرفها ابن كثير في تفسير هذه الآية ، والتحقيق أن قوله : ولا يشرك بعبادة ربه أحدا [ 18 \ 110 ] ، أعم من الرياء وغيره ، أي : لا يعبد ربه رياء وسمعة ، ولا يصرف شيئا من حقوق خالقه لأحد من خلقه ; لأن الله يقول : إن الله لا يغفر أن يشرك به الآية [ 4 \ 48 ] ، في الموضعين ، ويقول : ومن يشرك بالله فكأنما خر من السماء فتخطفه الطير أو تهوي به الريح في مكان سحيق [ 22 \ 31 ] ، إلى غير ذلك من الآيات .

ويفهم من مفهوم مخالفة الآية الكريمة : أن الذي يشرك أحدا بعبادة ربه ، ولا يعمل صالحا أنه لا يرجو لقاء ربه ، والذي لا يرجو لقاء ربه لا خير له عند الله يوم القيامة .

وهذا المفهوم جاء مبينا في مواضع أخر ، كقوله تعالى فيما مضى قريبا : [ ص: 357 ] أولئك الذين كفروا بآيات ربهم ولقائه فحبطت أعمالهم فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنا ذلك جزاؤهم جهنم الآية [ 18 \ 105 - 106 ] ; لأن من كفر بلقاء الله لا يرجو لقاءه ، وقوله في " العنكبوت " والذين كفروا بآيات الله ولقائه أولئك يئسوا من رحمتي [ 29 \ 23 ] ، وقولـه في " الأعراف " : والذين كذبوا بآياتنا ولقاء الآخرة حبطت أعمالهم هل يجزون إلا ما كانوا يعملون [ 7 \ 147 ] ، وقولـه في " الأنعام " : قد خسر الذين كذبوا بلقاء الله حتى إذا جاءتهم الساعة بغتة قالوا ياحسرتنا على ما فرطنا فيها [ 6 \ 31 ] ، وقولـه تعالى في " يونس " : قد خسر الذين كذبوا بلقاء الله وما كانوا مهتدين [ 10 \ 45 ] ، وقولـه في " الفرقان " : وقال الذين لا يرجون لقاءنا لولا أنزل علينا الملائكة أو نرى ربنا لقد استكبروا في أنفسهم وعتوا عتوا كبيرا [ 25 \ 21 ] ، وقولـه في " الروم " : وأما الذين كفروا وكذبوا بآياتنا ولقاء الآخرة فأولئك في العذاب محضرون [ 30 \ 16 ] ، إلى غير ذلك من الآيات .

التالي السابق


الخدمات العلمية