قوله تعالى : 
ولنجعله آية للناس ورحمة منا وكان أمرا مقضيا ، ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة : أن 
من حكم خلقه عيسى  من امرأة بغير زوج ليجعل ذلك آية للناس ، أي علامة دالة على كمال قدرته ، وأنه تعالى يخلق ما يشاء كيف   
[ ص: 389 ] يشاء : إن شاء خلقه من أنثى بدون ذكر كما فعل 
بعيسى  ، وإن شاء خلقه من ذكر بدون أنثى كما فعل 
بحواء  ، كما نص على ذلك في قوله : 
وخلق منها زوجها   [ 4 \ 1 ] ، أي : خلق من تلك النفس التي هي 
آدم  زوجها 
حواء  ، وإن شاء خلقه بدون الذكر والأنثى معا كما فعل بآدم ، وإن شاء خلقه من ذكر وأنثى كما فعل بسائر بني آدم ، فسبحان الله العظيم القادر على كل شيء ، وما ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة من كونه جعل 
عيسى  آية حيث ولدته أمه من غير زوج ، أشار له أيضا في " الأنبياء " بقوله : 
وجعلناها وابنها آية للعالمين   [ 21 \ 91 ] ، وفي " الفلاح " بقوله : 
وجعلنا ابن مريم وأمه آية وآويناهما الآية [ 23 
] . 
وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة : 
ولنجعله آية للناس   [ 19 \ 21 ] ، فيه حذف دل المقام عليه ، قال 
 nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري  في الكشاف : 
ولنجعله آية للناس تعليل معلله محذوف ، أي : ولنجعله آية للناس فعلنا ذلك ، أو هو معطوف على تعليل مضمر ، أي : لنبين به قدرتنا ولنجعله آية ، ونحوه : 
وخلق الله السماوات والأرض بالحق ولتجزى كل نفس بما كسبت   [ 45 \ 22 ] ، وقوله : 
وكذلك مكنا ليوسف في الأرض ولنعلمه   [ 12 \ 21 ] اهـ . 
وقوله في هذه الآية : 
ورحمة منا ، أي : لمن آمن به ، ومن كفر به فلم يبتغ الرحمة لنفسه ، كما قال تعالى في نبينا صلى الله عليه وسلم : 
وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين   [ 21 \ 107 ] . 
وقوله تعالى : 
وكان أمرا مقضيا   [ 19 \ 21 ] ، أي : وكان وجود ذلك الغلام منك أمرا مقضيا ، أي : مقدرا في الأزل ، مسطورا في اللوح المحفوظ لا بد من وقوعه ، فهو واقع لا محالة .