صفحة جزء
قوله تعالى : ( ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس ) [ 2 \ 199 ] لم يبين هنا المكان المأمور بالإفاضة منه المعبر عنه بلفظة [ ص: 90 ] ( حيث ) التي هي كلمة تدل على المكان ، كما تدل " حين " على الزمان .

ولكنه يبين ذلك بقوله : ( فإذا أفضتم من عرفات ) [ 2 \ 198 ] وسبب نزولها أن قريشا كانوا يقفون يوم عرفة بالمزدلفة ، ويقولون : نحن قطان بيت الله ، ولا ينبغي لنا أن نخرج من الحرم ; لأن عرفات خارج عن الحرم وعامة الناس يقفون بعرفات ، فأمر الله النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين ، أن يفيضوا من حيث أفاض الناس ، وهو عرفات لا من المزدلفة كفعل قريش .

وهذا هو مذهب جماهير العلماء ، وحكى ابن جرير عليه الإجماع ، وعليه فلفظة " ثم " للترتيب الذكري بمعنى عطف جملة على جملة ، وترتيبها عليها في مطلق الذكر ، ونظيره قوله تعالى : فك رقبة أو إطعام في يوم ذي مسغبة يتيما ذا مقربة أو مسكينا ذا متربة ثم كان من الذين آمنوا وتواصوا بالصبر وتواصوا بالمرحمة [ 90 \ 13 ، 14 ، 15 ، 16 ، 17 ] .

وقول الشاعر : [ الخفيف ]

إن من ساد ثم ساد أبوه ثم قد ساد قبل ذلك جده



وقال بعض العلماء : المراد بقوله ثم أفيضوا الآية ؛ أي : من مزدلفة إلى منى ، وعليه فالمراد بالناس إبراهيم .

قال ابن جرير في هذا القول : ولولا إجماع الحجة على خلافه لكان هو الأرجح .

التالي السابق


الخدمات العلمية