قوله تعالى : 
أسمع بهم وأبصر يوم يأتوننا لكن الظالمون اليوم في ضلال مبين ، قوله : 
أسمع بهم وأبصر صيغتا تعجب ، ومعنى الآية الكريمة : أن الكفار يوم القيامة يسمعون ويبصرون الحقائق التي أخبرتهم بها الرسل سمعا وإبصارا عجيبين ، وأنهم في دار الدنيا في ضلال وغفلة لا يسمعون الحق ولا يبصرونه ، وهذا الذي بينه تعالى في هذه الآية الكريمة بينه في مواضع أخر ، كقوله في سمعهم وإبصارهم يوم القيامة : 
ولو ترى إذ المجرمون ناكسو رءوسهم عند ربهم ربنا أبصرنا وسمعنا فارجعنا نعمل صالحا إنا موقنون   [ 32 \ 12 ] ، وقوله تعالى : 
لقد كنت في غفلة من هذا فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد   [ 50 \ 22 ] ، وكقوله في غفلتهم في الدنيا وعدم إبصارهم وسمعهم : 
اقترب للناس حسابهم وهم في غفلة معرضون   [ 21 \ 1 ] ، وقوله : 
يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هم غافلون   [ 30 \ 7 ] ، وقوله : 
صم بكم عمي فهم لا يرجعون   [ 2 \ 18 ] ، وقوله : 
مثل الفريقين كالأعمى والأصم والبصير والسميع الآية [ 11 \ 24 ] ، والمراد بالأعمى والأصم : الكفار ، والآيات بمثل هذا كثيرة ، واعلم أن صيغة التعجب إذا كانت على وزن " أفعل به " فهي فعل عند الجمهور ، وأكثرهم يقولون إنه فعل ماض جاء على صورة الأمر ، وبعضهم يقول : إنه فعل أمر لإنشاء التعجب ، وهو الظاهر من الصيغة ، ويؤيده دخول نون التوكيد عليه ، كقول الشاعر : 
ومستبدل من بعد غضيا صريمة فأحر به لطول فقر وأحريا 
لأن الألف في قوله : " وأحريا " مبدلة من نون التوكيد الخفيفة على حد قوله في الخلاصة : 
وأبدلنها بعد فتح ألفا     وقفا كما تقول في قفن قفا 
 [ ص: 422 ] والجمهور أيضا على أن صيغة التعجب الأخرى التي هي : " ما أفعله " فعل ماض ، خلافا لجماعة من الكوفيين في قولهم : إنها اسم بدليل تصغيرها في قول 
العرجي    : 
يا ما أميلح غزلانا شدن لنا     من هؤلياء بين الضال والسمر 
قالوا : والتصغير لا يكون إلا في الأسماء ، وأجاب من خالفهم بأن تصغيرها في البيت المذكور شاذ يحفظ ولا يقاس عليه .