1. الرئيسية
  2. أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن
  3. سورة مريم
  4. قوله تعالى ثم لننزعن من كل شيعة أيهم أشد على الرحمن عتيا ثم لنحن أعلم بالذين هم أولى بها صليا
صفحة جزء
قوله تعالى : ثم لننزعن من كل شيعة أيهم أشد على الرحمن عتيا ثم لنحن أعلم بالذين هم أولى بها صليا .

قوله في هذه الآية الكريمة : لننزعن [ 19 \ 69 ] ، أي : لنستخرجن [ ص: 476 ] من كل شيعة ، أي : من كل أمة أهل دين واحد ، وأصل الشيعة فعلة كفرقة ، وهي الطائفة التي شاعت غيرها ، أي : تبعته في هدى أو ضلال ; تقول العرب : شاعه شياعا : إذا تبعه .

وقوله تعالى : أيهم أشد على الرحمن عتيا ، أي : لنستخرجن ولنميزن من كل طائفة من طوائف الغي والفساد أعصاهم فأعصاهم ، وأعتاهم فأعتاهم ، فيبدأ بتعذيبه وإدخاله النار على حسب مراتبهم في الكفر ، والإضلال والضلال ، وهذا هو الظاهر في معنى الآية الكريمة : أن الرؤساء القادة في الكفر يعذبون قبل غيرهم ويشدد عليهم العذاب لضلالهم وإضلالهم .

وقد جاءت آيات من كتاب الله تعالى تدل على هذا ، كقوله تعالى : الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله زدناهم عذابا فوق العذاب بما كانوا يفسدون [ 16 \ 88 ] ، وقوله تعالى : وليحملن أثقالهم وأثقالا مع أثقالهم وليسألن يوم القيامة عما كانوا يفترون [ 29 \ 13 ] ، وقوله : ليحملوا أوزارهم كاملة يوم القيامة ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم ألا ساء ما يزرون [ 16 \ 25 ] ، ولأجل هذا كان في أمم النار أولى وأخرى ، فالأولى : التي يبدأ بعذابها وبدخولها النار ، والأخرى التي تدخل بعدها على حسب تفاوتهم في أنواع الكفر والضلال ، كما قال تعالى : قال ادخلوا في أمم قد خلت من قبلكم من الجن والإنس في النار كلما دخلت أمة لعنت أختها حتى إذا اداركوا فيها جميعا قالت أخراهم لأولاهم ربنا هؤلاء أضلونا فآتهم عذابا ضعفا من النار قال لكل ضعف ولكن لا تعلمون وقالت أولاهم لأخراهم فما كان لكم علينا من فضل فذوقوا العذاب بما كنتم تكسبون [ 7 \ 38 - 39 ] .

وقوله في هذه الآية الكريمة : ثم لنحن أعلم بالذين هم أولى بها صليا [ 19 \ 70 ] ، يعني : أنه جل وعلا أعلم بمن يستحق منهم أن يصلى النار ، ومن هو أولى بذلك ، وقد بين أن الرؤساء والمرءوسين كلهم ممن يستحق ذلك في قوله : قال لكل ضعف الآية ، والصلي : مصدر صلي النار - كرضي - يصلاها صليا ) بالضم والكسر ( إذا قاسى ألمها ، وباشر حرها .

واختلف العلماء في وجه رفع " أي " مع أنه منصوب ; لأنه مفعول لننزعن ، فذهب سيبويه ومن تبعه إلى أن لفظة " أي " موصولة ، وأنها مبنية على الضم إذا كانت مضافة وصدر صلتها ضمير محذوف كما هنا ، وعقده ابن مالك في الخلاصة بقوله :

[ ص: 477 ]

أي كما وأعربت ما لم تضف وصدر وصلها ضمير انحذف     وبعضهم أعرب مطلقا . . .
. . . . . . .

إلخ .

ويدل على صحة قول سيبويه رحمه الله قول غسان بن وعلة :


إذا ما لقيت بني مالك     فسلم على أيهم أفضل

والرواية بضم " أيهم " ، وخالف الخليل ويونس وغيرهما سيبويه في " أي " المذكورة ، فقال الخليل : إنها في الآية استفهامية محكية بقول مقدر والتقدير : ثم لننزعن من كل شيعة الذي يقال فيه أيهم أشد ; وأنشد الخليل لهذا المعنى الذي ذهب إليه قول الشاعر :


ولقد أبيت من الفتاة بمنزل     فأبيت لا حرج ولا محروم

أي : فأبيت بمنزلة الذي يقال له : لا هو حرج ولا محروم .

وأما يونس فذهب إلى أنها استفهامية أيضا ; لكنه حكم بتعليق الفعل قبلها بالاستفهام لأن التعليق عنده لا يختص بأفعال القلوب ، واحتج لسيبويه على الخليل ويونس ومن تبعهما ببيت غسان بن وعلة المذكور آنفا ; لأن الرواية فيه بضم " أيهم " ، مع أن حروف الجر ، لا يضمر بينها وبين معمولها قول ولا تعلق على الأصوب ، وإن خالف فيه بعضهم ببعض التأويلات ، ومما ذكرنا تعلم أن ما ذكره بعضهم من أن جميع النحويين غلطوا سيبويه في قوله هذا في " أي " في هذه الآية الكريمة خلاف التحقيق ، والعلم عند الله تعالى .

وقرأه حمزة والكسائي وحفص عتيا بكسر العين ، و صليا بكسر الصاد للإتباع ، وقرأ الباقون بالضم فيهما على الأصل .

التالي السابق


الخدمات العلمية