صفحة جزء
قوله تعالى : كذلك نقص عليك من أنباء ما قد سبق .

الكاف في قوله كذلك في محل نصب على أنه نعت لمصدر محذوف ، أي : نقص عليك من أنباء ما سبق قصصا مثل ذلك القصص الحسن الحق الذي قصصنا عليك عن موسى وهارون ، وعن موسى وقومه ، والسامري . والظاهر أن " من " في قوله من أنباء ما قد سبق للتبعيض ، ويفهم من ذلك أن بعضهم لم يقصص عليه خبره ويدل لهذا [ ص: 94 ] المفهوم قوله تعالى في سورة " النساء " : ورسلا قد قصصناهم عليك من قبل ورسلا لم نقصصهم عليك [ 4 \ 164 ] ، وقوله في سورة " المؤمن " : ولقد أرسلنا رسلا من قبلك منهم من قصصنا عليك ومنهم من لم نقصص عليك [ 40 \ 78 ] ، قوله في سورة " إبراهيم " ألم يأتكم نبأ الذين من قبلكم قوم نوح وعاد وثمود والذين من بعدهم لا يعلمهم إلا الله جاءتهم رسلهم بالبينات [ 14 \ 9 ] ، . والأنباء : جمع نبأ وهو الخبر الذي له شأن .

وما ذكره جل وعلا في هذه الآية الكريمة من أنه قص على نبيه - صلى الله عليه وسلم - أخبار الماضين . أي : ليبين بذلك صدق نبوته ، لأنه أمي لا يكتب ، ولا يقرأ الكتب ، ولم يتعلم أخبار الأمم وقصصهم . فلولا أن الله أوحى إليه ذلك لما علمه . بينه أيضا في غير هذا الموضع ، كقوله في " آل عمران " : ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك وما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم وما كنت لديهم إذ يختصمون [ 3 \ 44 ] ، أي : فلولا أن الله أوحى إليك ذلك لما كان لك علم به . وقوله تعالى في سورة " هود " تلك من أنباء الغيب نوحيها إليك ما كنت تعلمها أنت ولا قومك من قبل هذا فاصبر إن العاقبة للمتقين [ 11 \ 49 ] ، وقوله في " هود " أيضا : وكلا نقص عليك من أنباء الرسل ما نثبت به فؤادك الآية [ 11 \ 120 ] . وقوله تعالى في سورة " يوسف " : ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك وما كنت لديهم إذ أجمعوا أمرهم وهم يمكرون [ 12 \ 102 ] ، وقوله في " يوسف " أيضا : نحن نقص عليك أحسن القصص بما أوحينا إليك هذا القرآن وإن كنت من قبله لمن الغافلين [ 12 \ 3 ] ، وقوله في " القصص " : وما كنت بجانب الغربي إذ قضينا إلى موسى الأمر [ 28 \ 44 ] ، وقوله فيها : وما كنت بجانب الطور إذ نادينا [ 28 \ 46 ] ، وقوله : وما كنت ثاويا في أهل مدين تتلو عليهم آياتنا [ 28 \ 45 ] ، إلى غير ذلك من الآيات . يعني لم تكن حاضرا يا نبي الله لتلك الوقائع ، فلولا أن الله أوحى إليك ذلك لما علمته . وقوله من أنباء ما قد سبق أي : أخبار ما مضى من أحوال الأمم ، والرسل .

التالي السابق


الخدمات العلمية