قوله تعالى : 
وجعلنا من الماء كل شيء حي أفلا يؤمنون   . 
الظاهر أن " جعل " هنا بمعنى خلق ؛ لأنها متعدية لمفعول واحد . ويدل لذلك قوله تعالى في سورة " النور " : 
والله خلق كل دابة من ماء   [ 24 \ 45 ] . 
واختلف العلماء في معنى خلق كل شيء من الماء . قال بعض العلماء : الماء الذي خلق منه كل شيء هو النطفة ؛ لأن الله خلق جميع الحيوانات التي تولد عن طريق التناسل من النطف ، وعلى هذا فهو من العام المخصوص . 
وقال بعض العلماء : هو الماء المعروف ؛ لأن الحيوانات إما مخلوقة منه مباشرة كبعض الحيوانات التي تتخلق من الماء ، وإما غير مباشرة ؛ لأن النطف من الأغذية ، والأغذية كلها ناشئة عن الماء ، وذلك في الحبوب والثمار ونحوها ظاهر ، وكذلك هو في اللحوم ، والألبان ، والأسمان ونحوها ؛ لأنه كله ناشئ بسبب الماء . 
وقال بعض أهل العلم : معنى خلقه كل حيوان من ماء أنه كأنما خلقه من الماء   
[ ص: 143 ] لفرط احتياجه إليه ، وقلة صبره عنه ، كقوله : 
خلق الإنسان من عجل   [ 21 \ 37 ] إلى غير ذلك من الأقوال . وقد قدمنا المعاني الأربعة التي تأتي لها لفظة " جعل " وما جاء منها في القرآن وما لم يجئ فيه في سورة " النحل " . 
وقال 
 nindex.php?page=showalam&ids=16785الفخر الرازي  في تفسير هذه الآية الكريمة ما نصه : لقائل أن يقول : كيف قال : وخلقنا من الماء كل حيوان ؟ وقد قال : 
والجان خلقناه من قبل من نار السموم   [ 15 \ 27 ] وجاء في الأخبار أن الله تعالى خلق الملائكة من النور ، وقال تعالى في حق 
عيسى    - عليه السلام - : 
وإذ تخلق من الطين كهيئة الطير بإذني فتنفخ فيها فتكون طيرا بإذني   [ 5 \ 110 ] وقال في حق 
آدم    : 
خلقه من تراب   [ 3 \ 59 ] . 
والجواب : اللفظ وإن كان عاما إلا أن القرينة المخصصة قائمة ، فإن الدليل لا بد وأن يكون مشاهدا محسوسا ؛ ليكون أقرب إلى المقصود . وبهذا الطريق تخرج عنه الملائكة ، والجن ، 
وآدم  ، وقصة 
عيسى  عليهم السلام ؛ لأن الكفار لم يروا شيئا من ذلك . ا هـ منه . 
ثم قال 
الرازي  أيضا : اختلف المفسرون ، فقال بعضهم : المراد من قوله : 
كل شيء حي الحيوان فقط . وقال آخرون : بل يدخل فيه النبات ، والشجر ؛ لأنه من الماء صار ناميا ، وصار فيه الرطوبة ، والخضرة ، والنور ، والثمر . وهذا القول أليق بالمعنى المقصود ، كأنه تعالى قال : ففتقنا السماء لإنزال المطر ، وجعلنا منه كل شيء في الأرض من النبات وغيره حيا . حجة القول الأول : أن النبات لا يسمى حيا . قلنا : لا نسلم ، والدليل عليه قوله تعالى : 
كيف يحيي الأرض بعد موتها   [ 30 \ 50 ] انتهى منه أيضا .