قوله تعالى : 
ونجيناه ولوطا إلى الأرض التي باركنا فيها للعالمين   . 
الضمير في قوله : ونجيناه عائد إلى 
إبراهيم  ، قال 
أبو حيان  في البحر المحيط : وضمن قوله : ونجيناه معنى أخرجناه بنجاتنا إلى الأرض . ولذلك تعدى " نجيناه " بإلى . ويحتمل أن يكون " إلى " متعلقا بمحذوف ، أي : منتهيا إلى الأرض ، فيكون في موضع الحال ، ولا تضمين في ونجيناه على هذا . والأرض التي خرجا منها : هي 
كوثى  من 
أرض العراق  ، والأرض التي خرجا إليها هي 
أرض الشام .  ا هـ منه . وهذه الآية الكريمة تشير إلى 
هجرة إبراهيم  ومعه 
لوط  من 
أرض العراق  إلى 
الشام  فرارا بدينهما . 
وقد أشار تعالى إلى ذلك في غير هذا الموضع ، كقوله في " العنكبوت " : 
فآمن له لوط وقال إني مهاجر إلى ربي   [ 29 \ 26 ] وقوله في " الصافات : " 
وقال إني ذاهب إلى ربي سيهدين   [ 37 \ 99 ] على أظهر القولين ؛ لأنه فار إلى ربه بدينه من الكفار . وقال 
القرطبي  في تفسير قوله تعالى : 
وقال إني ذاهب إلى ربي سيهدين   : هذه   
[ ص: 165 ] الآية أصل في الهجرة والعزلة ، وأول من فعل ذلك 
إبراهيم  عليه السلام ، وذلك حين خلصه الله من النار قال : 
إني ذاهب إلى ربي أي : مهاجر من بلد قومي ومولدي إلى حيث أتمكن من عبادة ربي 
فإنه سيهدين فيما نويت إلى الصواب . وما أشار إليه - جل وعلا - من أنه بارك للعالمين في الأرض المذكورة التي هي الشام على قول الجمهور في هذه الآية بقوله : 
إلى الأرض التي باركنا فيها للعالمين   [ 21 \ 71 ] بينه في غير الموضع . كقوله : 
ولسليمان الريح عاصفة تجري بأمره إلى الأرض التي باركنا فيها   [ 21 \ 81 ] وقوله تعالى : 
سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله   [ 17 ] ومعنى كونه ( بارك فيها ) . هو ما جعل فيها من الخصب ، والأشجار ، والأنهار ، والثمار . كما قال تعالى : 
لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض   [ 7 \ 96 ] ومن ذلك أنه بعث أكثر الأنبياء منها . 
وقال بعض أهل العلم : ومن ذلك أن كل ماء عذب أصل منبعه من تحت الصخرة التي عند 
بيت المقدس    . وجاء في ذلك حديث مرفوع ، والظاهر أنه لا يصح . وفي قوله تعالى : 
إلى الأرض التي باركنا فيها أقوال أخر تركناها لضعفها في نظرنا . 
وفي هذه الآية الكريمة دليل على أن 
الفرار بالدين من دار الكفر إلى بلد يتمكن فيه الفار بدينه من إقامة دينه   - واجب . وهذا النوع من الهجرة وجوبه باق بلا خلاف بين العلماء في ذلك .