صفحة جزء
قوله تعالى : وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا وأوحينا إليهم فعل الخيرات وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وكانوا لنا عابدين .

الضمير في قوله : جعلناهم يشمل كل المذكورين إبراهيم ، ولوطا ، وإسحاق ، ويعقوب ، كما جزم به أبو حيان في البحر المحيط ، وهو الظاهر .

وقد دلت هذه الآية الكريمة على أن الله جعل إسحاق ويعقوب من الأئمة ، أي جعلهم رؤساء في الدين يقتدى بهم في الخيرات وأعمال الطاعات . وقوله بأمرنا أي : بما أنزلنا عليهم من الوحي ، والأمر ، والنهي ، أو يهدون الناس إلى ديننا بأمرنا إياهم ، بإرشاد الخلق ودعائهم إلى التوحيد .

وهذه الآية الكريمة تبين أن طلب إبراهيم الإمامة لذريته المذكور في سورة " البقرة " أجابه فيه بالنسبة إلى بعض ذريته دون بعضها ، وضابط ذلك أن الظالمين من ذريته لا ينالون الإمامة بخلاف غيرهم كإسحاق ويعقوب ، فإنهم ينالونها كما صرح به تعالى [ ص: 167 ] في قوله هنا : وجعلناهم أئمة [ 21 ] وطلب إبراهيم هو المذكور في قوله تعالى : وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن قال إني جاعلك للناس إماما قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين [ 2 \ 124 ] فقوله : ومن ذريتي أي : واجعل من ذريتي أئمة يقتدى بهم في الخير . فأجابه الله بقوله : لا ينال عهدي الظالمين أي : لا ينال الظالمين عهدي بالإمامة ، على الأصوب . ومفهوم قوله : الظالمين أن غيرهم يناله عهده بالإمامة كما صرح به هنا . وهذا التفصيل المذكور في ذرية إبراهيم أشار له تعالى في " الصافات " بقوله : ومن ذريتهما محسن وظالم لنفسه مبين [ 37 \ 113 ] وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة : وأوحينا إليهم فعل الخيرات [ 21 ] أي : أن يفعلوا الطاعات ، ويأمروا الناس بفعلها . وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة من جملة الخيرات ، فهو من عطف الخاص على العام . وقد قدمنا مرارا النكتة البلاغية المسوغة للإطناب في عطف الخاص على العام ، وعكسه في القرآن ، فأغنى ذلك عن إعادته هنا .

وقوله : وكانوا لنا عابدين أي : مطيعين باجتناب النواهي وامتثال الأوامر بإخلاص ، فهم يفعلون ما يأمرون الناس به ، ويجتنبون ما ينهونهم عنه كما قال نبي الله شعيب : وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه [ 11 \ 88 ] .

وقوله : أئمة معلوم أنه جمع إمام ، والإمام : هو المقتدى به ، ويطلق في الخير كما هنا ، وفي الشر كما في قوله : وجعلناهم أئمة يدعون إلى النار [ 28 \ 41 ] وما ظنه الزمخشري من الإشكال في هذه الآية ليس بواقع كما نبه عليه أبو حيان . والعلم عند الله تعالى .

وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة : وإقام الصلاة لم تعوض هنا تاء عن العين الساقطة بالاعتلال على القاعدة التصريفية المشهورة ؛ لأن عدم تعويضها عنه جائز كما هنا ، كما أشار إلى ذلك في الخلاصة بقوله :


. . . . . . . . . . وألف الإفعال واستفعال     أزل لذا الإعلال ، والتا الزم عوض
وحذفها بالنقل ربما عرض

وقد أشار في أبنية المصادر إلى أن تعويض التاء المذكورة من العين هو الغالب بقوله :


واستعذ استعاذة ثم أقم     إقامة وغالبا ذا التا لزم

وما ذكره من أن التاء المذكورة عوض عن العين أجود من قول من قال : إن العين [ ص: 168 ] باقية وهي الألف الباقية ، وأن التاء عوض عن ألف الإفعال .

التالي السابق


الخدمات العلمية