قوله تعالى : 
إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون وتقطعوا أمرهم بينهم كل إلينا راجعون   .  
[ ص: 246 ] قد قدمنا معاني " الأمة " في القرآن في سورة " هود " . والمراد بالأمة هنا : الشريعة والملة ، والمعنى : وأن هذه شريعتكم شريعة واحدة ، وهي توحيد الله على الوجه الأكمل من جميع الجهات ، وامتثال أمره ، واجتناب نهيه بإخلاص في ذلك ، على حسب ما شرعه لخلقه 
وأنا ربكم فاعبدون   [ 21 \ 92 ] أي : وحدي ، والمعنى دينكم واحد وربكم واحد ، فلم تختلفون 
وتقطعوا أمرهم بينهم   [ 21 \ 93 ] أي : تفرقوا في الدين وكانوا شيعا ؛ فمنهم يهودي ، ومنهم نصراني ، ومنهم عابد وثن إلى غير ذلك من الفرق المختلفة . 
ثم بين بقوله : 
كل إلينا راجعون أنهم جميعهم راجعون إليه يوم القيامة ، وسيجازيهم بما فعلوا . وقال 
 nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري  في تفسير هذه الآية الكريمة 
وتقطعوا أمرهم بينهم المعنى : جعلوا أمر دينهم فيما بينهم قطعا كما يتوزع الجماعة الشيء ويقتسمونه ، فيصير لهذا نصيب ولذلك نصيب ؛ تمثيلا لاختلافهم فيه ، وصيرورتهم فرقا شتى . ا هـ . 
وظاهر الآية أن " تقطع " متعدية إلى المفعول ومفعولها " أمرهم " ومعنى تقطعوه أنهم جعلوه قطعا كما ذكرنا . وقال 
القرطبي    : قال 
الأزهري    : 
وتقطعوا أمرهم أي : تفرقوا في أمرهم ، فنصب " أمرهم " بحذف " في " ومن 
إطلاق الأمة بمعنى الشريعة والدين كما في هذه الآية : قوله تعالى عن الكفار : 
إنا وجدنا آباءنا على أمة   [ 43 \ 23 ] أي : على شريعة وملة ودين . ومن ذلك قول 
نابغة ذبيان    : 
حلفت فلم أترك لنفسك ريبة وهل يأثمن ذو أمة وهو طائع 
ومعنى قوله : " وهل يأثمن ذو أمة . . إلخ " أن صاحب الدين لا يرتكب الإثم طائعا . 
وما ذكره - جل وعلا - في هاتين الآيتين الكريمتين : من أن الدين واحد ، والرب واحد فلا داعي للاختلاف . وأنهم مع ذلك اختلفوا أو صاروا فرقا أوضحه في سورة " 
قد أفلح المؤمنون   " وزاد أن كل حزب من الأحزاب المختلفة فرحون بما عندهم . وذلك في قوله تعالى : 
ياأيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا إني بما تعملون عليم ، 
وإن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاتقون فتقطعوا أمرهم بينهم زبرا كل حزب بما لديهم فرحون فذرهم في غمرتهم حتى حين   [ 23 \ 51 - 54 ]   
[ ص: 247 ] وقوله في هذه الآية : زبرا أي : قطعا كزبر الحديد والفضة أي : قطعها . وقوله 
كل حزب بما لديهم فرحون أي : كل فرقة من هؤلاء الفرق الضالين المختلفين المتقطعين دينهم قطعا فرحون بباطلهم ، مطمئنون إليه ، معتقدون أنه هو الحق . 
وقد بين - جل وعلا - في غير هذا الموضع : أن ما فرحوا به واطمأنوا إليه باطل ، كما قال تعالى في سورة " المؤمن " : 
فلما جاءتهم رسلهم بالبينات فرحوا بما عندهم من العلم وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون فلما رأوا بأسنا قالوا آمنا بالله وحده وكفرنا بما كنا به مشركين   [ 40 \ 83 - 84 ] وقال : 
إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شيء إنما أمرهم إلى الله ثم ينبئهم بما كانوا يفعلون   [ 6 \ 159 ] . 
وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة : إن هذه " هذه " اسم " إن " وخبرها أمتكم . وقوله أمة واحدة حال كما هو ظاهر .