صفحة جزء
المسألة الثالثة

اعلم أن ممن قال : إن الإفراد أفضل من التمتع والقران : مالك ، وأصحابه ، والشافعي - في الصحيح من مذهبه - وأصحابه .

قال النووي في شرح المهذب : وبه قال عمر بن الخطاب ، وعثمان ، وعلي ، وابن مسعود ، وابن عمر ، وجابر ، وعائشة ، ومالك ، والأوزاعي ، وأبو ثور ، وداود . واحتج من قال بتفضيل إفراد الحج على غيره بأدلة متعددة .

الأول : أحاديث صحيحة جاءت عن النبي صلى الله عليه وسلم ، بأنه أفرد في حجة الوداع من رواية جابر ، وابن عمر ، وابن عباس ، وعائشة رضي الله عنهم وغيرهم . أما حديث عائشة فقد ذكرناه آنفا .

قالت : خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام حجة الوداع ، فمنا من أهل بعمرة ، ومنا من أهل بحجة وعمرة ، ومنا من أهل بالحج ، وأهل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحج . الحديث . هذا لفظ البخاري ومسلم ، وهو صريح في أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل بالحج . ولا يحتمل لفظ عائشة هذا غير إفراد الحج ; لأنها ذكرت معه التمتع والقران ، وأن بعض الناس تمتع وبعضهم قرن ، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل بالحج فهو الحج المفرد ، ولا يحتمل غيره .

وفي رواية في الصحيح عنها رضي الله عنها قالت : خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم [ ص: 344 ] فقال : " من أراد منكم أن يهل بحج وعمرة فليفعل ، ومن أراد أن يهل بحج فليهل ، ومن أراد أن يهل بعمرة فليهل " . قالت عائشة رضي الله عنها : " فأهل رسول الله صلى الله عليه وسلم بحج ، وأهل به ناس معه ، وأهل ناس بالعمرة والحج ، وأهل ناس بعمرة ، وكنت في من أهل بالعمرة " . هذا لفظ مسلم في صحيحه . وهو لا يحتمل غير الإفراد بحال ; لأنها ذكرت القران والتمتع والإفراد ، وصرحت بأنه صلى الله عليه وسلم أهل بالحج ، فدل على أنها لا تريد القران ولا غيره . وفي رواية عنها في الصحيح قالت : خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم ولا نرى إلا الحج ، وفي رواية عنها في الصحيح أيضا : ولا نذكر إلا الحج . وفي رواية عنها في الصحيح أيضا : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أفرد الحج . وفي رواية عنها رضي الله عنها في الصحيح : ولا نرى إلا أنه الحج . كل هذه الألفاظ في صحيح مسلم . وبعضها في البخاري .

وأما حديث جابر فقد روى عنه عطاء قال : حدثني جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أنه حج مع النبي صلى الله عليه وسلم يوم ساق البدن معه ، وقد أهلوا بالحج مفردا ، الحديث . هذا لفظ البخاري ومسلم ، وفي رواية عنه رضي الله عنه في الصحيح : قدمنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن نقول : لبيك اللهم لبيك بالحج . هذا لفظ البخاري ومسلم أيضا ، وفي رواية في الصحيح عن عطاء : حدثني جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم أهل وأصحابه بالحج ، الحديث . هذا لفظ البخاري في صحيحه . وفي حديثه - أعني جابرا رضي الله عنه - الطويل المشهور في صحيح مسلم الذي بين فيه حجة النبي صلى الله عليه وسلم أكمل بيان ، وساقها أحسن سياقة من أولها إلى آخرها . وقد دل ذلك على ضبطه لها وحفظه وإتقانه ما نصه : قال جابر رضي الله عنه : لسنا ننوي إلا الحج ، لسنا نعرف العمرة ، الحديث . وهو تصريح منه رضي الله عنه بالإفراد دون التمتع والقران لقوله : لسنا نعرف العمرة .

وفي رواية عنه في الصحيح قال : خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مهلين بالحج ، الحديث .

وفي رواية عنه في الصحيح أيضا قال : أهللنا - أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم - بالحج خالصا وحده . وكلا الروايتين عنه بلفظ مسلم في الصحيح . وفي صحيح مسلم أيضا عنه : قدمنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مهلين بالحج . الحديث . وفي رواية في صحيح مسلم عنه أيضا : أهللنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحج .

وأما حديث ابن عمر : فقد قال مسلم في صحيحه : حدثنا يحيى بن أيوب ، وعبد الله بن عون الهلالي ، قالا : حدثنا عباد بن عباد المهلبي ، حدثنا عبيد الله بن عمر ، [ ص: 245 ] عن نافع عن ابن عمر في رواية يحيى قال : أهللنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحج مفردا . وفي رواية ابن عون : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل بالحج مفردا ، وحدثنا سريج بن يونس ، حدثنا هشيم ، حدثنا حميد ، عن بكر ، عن أنس رضي الله عنه قال : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يلبي بالحج والعمرة جميعا : قال بكر : فحدثت بذلك ابن عمر ، فقال : لبى بالحج وحده ، فلقيت أنسا فحدثته بقول ابن عمر فقال أنس : ما تعدوننا إلا صبيانا ، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " لبيك عمرة وحجا " وحدثني أمية بن بسطام العيشي ، حدثنا يزيد ، يعني ابن زريع ، حدثنا حبيب بن الشهيد ، عن بكر بن عبد الله ، حدثنا أنس رضي الله عنه : أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم جمع بينهما - بين الحج والعمرة - قال : فسألت ابن عمر ؟ فقال : أهللنا بالحج . فرجعت إلى أنس فأخبرته ما قال ابن عمر ، فقال : كأنما كنا صبيانا . انتهى منه .

وحديث ابن عمر هذا لا يحتمل غير إفراد الحج ، فلا يحتمل القران ولا التمتع بحال ; لأن فيه أن بكرا قال لابن عمر : إن أنسا يقول : إن النبي صلى الله عليه وسلم قرن بين الحج والعمرة ، فرد ابن عمر على أنس دعواه القران قائلا : إن النبي صلى الله عليه وسلم أحرم بالحج وحده ، وهذا صريح في الإفراد كما ترى . وحديث ابن عمر المذكور أخرجه البخاري أيضا . اهـ .

وفي رواية : أن رجلا أتى ابن عمر رضي الله عنهما فقال : بم أهل رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال ابن عمر : أهل بالحج . فانصرف ثم أتاه من العام المقبل ، فقال : بم أهل رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال : ألم تأتني عام أول ؟ قال : بلى ، ولكن أنس بن مالك يزعم أنه قرن . قال ابن عمر رضي الله عنهما : إن أنس بن مالك كان يدخل على النساء وهن منكشفات الرءوس ، وإني كنت تحت ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسني لعابها أسمعه يلبي بالحج . رواه البيهقي بإسناده . وقال النووي في شرح المهذب : إن إسناده صحيح .

وأما حديث ابن عباس ، فهو ما رواه عنه البخاري ومسلم قال : كانوا يرون العمرة في أشهر الحج من أفجر الفجور في الأرض ، ويجعلون المحرم صفرا ، ويقولون : إذا برأ الدبر ، وعفا الأثر ، وانسلخ صفر ، حلت العمرة لمن اعتمر . فقدم النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه صبيحة رابعة مهلين بالحج . الحديث . هذا لفظ البخاري ومسلم .

وفي رواية في الصحيح عنه رضي الله عنه : أهل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحج ، لفظ مسلم . وفي رواية عنه في الصحيح : خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم نهل بالحج . وفي رواية عنه رضي الله عنه في الصحيح : ثم ركب راحلته ، فلما استوت به على البيداء أهل بالحج . كل هذه الألفاظ في صحيح مسلم ، رحمه الله تعالى .

[ ص: 246 ] وفي صحيح مسلم أيضا من حديث أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت : قدمنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مهلين بالحج . الحديث .

قالوا : فهذه الأحاديث الصحاح دالة على أن النبي صلى الله عليه وسلم أحرم مفردا ، ورواتها من أضبط الصحابة وأتقنهم ، قالوا : فمنهم جابر الذي عرف ضبطه وحفظه ، وخصوصا ضبطه لحجته صلى الله عليه وسلم . ومنهم ابن عمر الذي رد على أنس ، وذكر أن لعاب ناقة النبي صلى الله عليه وسلم كان يمسه . ومنهم : عائشة رضي الله عنها ، وحفظها وضبطها واطلاعها على أحوال النبي صلى الله عليه وسلم ، كل ذلك معروف . ومنهم : ابن عباس رضي الله عنهما ، ومكانته في العلم والحفظ معروفة .

الأمر الثاني من الأمور التي احتج بها القائلون بأفضلية الإفراد على التمتع والقران - هو إجماع أهل العلم على أن المفرد إذا لم يفعل شيئا من محظورات الإحرام ، ولم يخل بشيء من النسك ، أنه لا دم عليه ، وانتفاء الدم عنه مع لزومه في التمتع والقران يدل على أنه أفضل منهما ; لأن الكامل بنفسه الذي لا يحتاج إلى الجبر بالدم أفضل من المحتاج إلى الجبر بالدم .

وأجاب المخالفون عن هذا بأن دم التمتع والقران ليس دم جبر لنقص فيهما ، وإنما هو دم نسك محض لزم في ذلك النسك . واحتجوا على أنه دم نسك بجواز أكل القارن والمتمتع من دم قرانه وتمتعه ، قالوا : لو كان جبرا لما جاز الأكل منه كالكفارات ، وبأن الجبر في فعل ما لا يجوز ، والتمتع والقران جائزان ، فلا جبر في مباح .

ورد هذا من يخالف في ذلك قائلا : إنه دم جبر لا دم نسك ، بدليل أن الصوم يقوم مقامه عند العجز عنه . قالوا : والنسك المحض كالأضاحي والهدايا لا يكون الصوم بدلا منه عند العجز عنه ، فلا يكون الصوم بدلا من دم إلا إذا كان دم جبر . قالوا : ولا مانع من الأمر بعبادة مع ما يجبرها ويكملها ، ولا مانع من أن يرد دليل خاص على جواز الأكل من بعض دماء الجبر .

قالوا : والدليل على وقوع الجبر في المباح : لزوم فدية الأذى المنصوص في آية : فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية الآية [ 2 \ 196 ] ، ولا شك أنه جبر في فعل مباح . وكذلك من لبس لمرض ، أو حر أو برد شديدين ، أو أكل صيدا للضرورة المبيحة للميتة ، أو احتاج للتداوي بطيب .

قالوا : ومن الأدلة على أنه دم جبر لا نسك سقوطه عن أهل مكة المنصوص عليه في [ ص: 347 ] قوله : ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام [ 2 \ 196 ] فلو كان دم نسك محض لكان على الجميع من حاضري المسجد الحرام وغيرهم لاستوائهم جميعا في حكم النسك المحض . وهذا على قول الجمهور : إن الإشارة في قوله : " ذلك " راجعة إلى لزوم دم التمتع ؛ أي : وأما من كان أهله حاضري المسجد الحرام ، فلا دم عليه إن تمتع بالعمرة إلى الحج . خلافا لابن عباس ومن وافقه من الحنفية وغيرهم في قولهم : إن الإشارة في قوله : ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام [ 2 \ 196 ] راجعة إلى التمتع بالعمرة إلى الحج ، وإن أهل مكة لا تمتع لهم ; لأنه على قول الجمهور لا فرق بين الآفاقي ، وحاضري المسجد الحرام موجبا لوجوب دم التمتع على الأول وسقوطه عن الثاني ، إلا أن الأول تمتع بالترفه بسقوط أحد السفرين لأحد النسكين ؛ ولذلك قال مالك وأصحابه ، والشافعي وأصحابه ، وأحمد وأصحابه ، وأبو حنيفة وأصحابه : إنه إن سافر بعد إحلاله من العمرة وأحرم للحج في سفر جديد ، أنه لا دم تمتع عليه لزوال العلة . مع اختلافهم في قدر السفر المسقط للدم المذكور ؛ فبعضهم يكتفي بسفر مسافة القصر ، وهو مذهب أحمد ، وهو مروي عن عطاء وإسحاق والمغيرة ، كما نقله عنهم ابن قدامة في المغني . وبعضهم يكتفي بالرجوع إلى الميقات ، وهو مذهب الشافعي ، وبعضهم يشترط الرجوع إلى محله الذي جاء منه ، وعزاه في المغني لأبي حنيفة وأصحابه . وبعضهم يشترط ذلك أو سفر مسافة بقدره ، أعني قدر مسافة المحل الذي جاء منه ، وهو مذهب مالك وأصحابه . وهذا يدل على أن دم التمتع دم جبر لنقص السفر المذكور ، بدليل أن السفر إن حصل عندهم سقط الدم لزوال علة وجوبه .

الأمر الثالث من الأمور التي استدل بها القائلون بأفضلية الإفراد : بعض الأحاديث الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم بالنهي عن التمتع والقران .

قال البيهقي في السنن الكبرى : أخبرنا أبو علي الروذباري ، أنبأنا أبو بكر بن داسة ، ثنا أبو داود ، ثنا أحمد بن صالح ، ثنا ابن وهب ، أخبرني حيوة ، أخبرني أبو عيسى الخراساني ، عن عبد الله بن القاسم الخراساني ، عن سعيد بن المسيب : أن رجلا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى عمر بن الخطاب ، فشهد عنده أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي قبض فيه ينهى عن العمرة قبل الحج .

أخبرنا أبو بكر محمد بن الحسن بن فورك ، أنبأ عبد الله بن جعفر ، ثنا يونس بن حبيب ، ثنا أبو داود الطيالسي ، حدثنا هشام ، عن قتادة ، عن أبي شيخ الهنائي واسمه [ ص: 248 ] خيوان بن [ خلدة ] أن معاوية قال لنفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم : أتعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن صفف النمور ؟ قالوا : اللهم نعم . قال : وأنا أشهد ، قال : أتعلمون أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن لبس الذهب إلا مقطعا ؟ قالوا : اللهم نعم ، قال : أتعلمون أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يقرن بين الحج والعمرة ؟ قالوا : اللهم لا ، قال : والله إنها لمعهن . وكذلك رواه حماد بن سلمة والأشعث بن بزاز عن قتادة ، وقال : حماد بن سلمة في حديثه : ولكنكم نسيتم . ورواه مطر الوراق ، عن أبي شيخ في متعة الحج . انتهى من البيهقي .

وقد ذكر النووي في شرح المهذب عن البيهقي أنه ذكر بإسناده الحديثين اللذين سقناهما عنه آنفا ، ثم قال في الأول منهما : ورواه أبو داود في سننه . وقد اختلفوا في سماع سعيد بن المسيب عن عمر ، لكنه لم يرو هنا عن عمر ، بل عن صحابي غير مسمى ، والصحابة كلهم عدول .

ثم قال في الثاني منهما : رواه البيهقي بإسناد حسن . انتهى .

وقال أبو داود رحمه الله في سننه : حدثنا أحمد بن صالح ، ثنا عبد الله بن وهب ، أخبرنا حيوة ، أخبرني أبو عيسى الخراساني ، عن عبد الله بن القاسم ، عن سعيد بن المسيب : أن رجلا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أتى عمر بن الخطاب ، فشهد عنده أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي قبض فيه ينهى عن العمرة قبل الحج .

حدثنا موسى أبو سلمة ثنا حماد ، عن قتادة عن أبي شيخ الهنائي خيوان بن خلدة ممن قرأ على أبي موسى الأشعري من أهل البصرة أن معاوية بن أبي سفيان قال لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم : هل تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن كذا وكذا ، وعن ركوب جلود النمور ؟ قالوا : نعم ، قال : فتعلمون أنه نهى أن يقرن بين الحج والعمرة ؟ فقالوا : أما هذا فلا ، فقال : أما إنها معهن ، ولكنكم نسيتم . انتهى منه .

الأمر الرابع من الأمور التي استدل بها القائلون بأفضلية الإفراد على غيره ، أنه هو الذي كان الخلفاء الراشدون يفعلونه بعده صلى الله عليه وسلم ، وهم أفضل الناس وأتقاهم ، وأشدهم اتباعا لرسول الله صلى الله عليه وسلم . فقد حج أبو بكر رضي الله عنه بالناس مفردا ، وحج عمر بن الخطاب عشر سنين بالناس مفردا ، وحج عثمان رضي الله عنه بهم مدة خلافته مفردا . قالوا : فمدة هؤلاء الخلفاء الراشدين الثلاثة حول أربع وعشرين سنة وهم يحجون بالناس مفردين ، ولو لم يكن الإفراد أفضل من غيره لما واظبوا عليه هذه المدة الطويلة .

[ ص: 349 ] قال النووي في شرح المهذب ، وشرح مسلم في أدلة من فضل الإفراد : ومنها أن الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم بعد النبي صلى الله عليه وسلم أفردوا الحج ، وواظبوا عليه ، كذلك فعل أبو بكر وعمر وعثمان . واختلف فعل علي رضي الله عنهم أجمعين . وقد حج عمر بالناس عشر حجج مدة خلافته كلها مفردا ، ولو لم يكن هذا هو الأفضل عندهم ، وعلموا أن النبي صلى الله عليه وسلم حج مفردا لم يواظبوا على الإفراد مع أنهم الأئمة الأعلام ، وقادة الإسلام ، ويقتدى بهم في عصرهم وبعدهم ، وكيف يظن بهم المواظبة على خلاف فعل النبي صلى الله عليه وسلم ، أو أنهم خفي عليهم جميعهم فعله صلى الله عليه وسلم . وأما الخلاف عن علي وغيره فإنما فعلوه لبيان الجواز ، وقد قدمنا عنهم ما يوضح هذا . انتهى منه .

الأمر الخامس من الأمور التي استدل بها القائلون بأفضلية الإفراد : هو ما ذكره النووي في شرح المهذب قال : ومنها أن الأمة أجمعت على جواز الإفراد من غير كراهة ، وكره عمر وعثمان وغيرهما ممن ذكرناه قبل هذا التمتع ، وبعضهم كره التمتع والقران ، وإن كانوا يجوزونه على ما سبق تأويله ، فكان ما أجمعوا على أنه لا كراهة فيه أفضل . انتهى منه .

وقال البيهقي في السنن الكبرى : فثبت بالسنة الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم جواز التمتع والقران والإفراد ، وثبت بمضي النبي صلى الله عليه وسلم في حج مفرد ، ثم باختلاف الصدر الأول في كراهية التمتع والقران دون الإفراد ، كون إفراد الحج عن العمرة أفضل . والله أعلم . انتهى منه .

وقال البيهقي في السنن الكبرى أيضا : أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي وأبو بكر بن الحارث الفقيه قالا : ثنا علي بن عمر الحافظ ، ثنا الحسين بن إسماعيل ، ثنا أبو هشام ، ثنا أبو بكر بن عياش ، ثنا أبو حصين عن عبد الرحمن بن الأسود ، عن أبيه قال : حججت مع أبي بكر رضي الله عنه فجرد ، ومع عمر رضي الله عنه فجرد ، ومع عثمان رضي الله عنه فجرد .

أخبرنا أبو الحسين علي بن محمد بن عبد الله بن بشران ، أنبأ إسماعيل بن محمد الصفار ، ثنا عبد الكريم بن الهيثم ، ثنا أبو اليمان ، أخبرني شعيب ، أنبأ نافع : أن ابن عمر كان يقول : إن عمر رضي الله عنه كان يقول : أن تفصلوا بين الحج والعمرة ، وتجعلوا العمرة في غير أشهر الحج ، أتمم لحج أحدكم وأتم لعمرته . انتهى منه .

ثم ساق البيهقي بسنده عن عبد الله والحسن ابني محمد بن علي بن أبي طالب رضي [ ص: 350 ] الله عنهم عن أبيهما عن علي أنه قال : يا بني أفرد الحج ، فإنه أفضل . اهـ . وساق بسنده عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال : جردوا الحج . وفي رواية له عنه ، أنه أمر بإفراد الحج قال فكان أحب أن يكون لكل واحد منهما شعث وسفر . انتهى من البيهقي .

وقال الحافظ ابن كثير رحمه الله في تاريخه : قال الحافظ أبو الحسن الدارقطني ، ثنا الحسين بن إسماعيل ، ثنا أبو هشام ، ثنا أبو بكر بن عياش ، ثنا أبو حصين ، عن عبد الرحمن بن الأسود ، عن أبيه قال : حججت مع أبي بكر فجرد ، ومع عمر فجرد ، ومع عثمان فجرد . تابعه الثوري ، عن أبي حصين ، وهذا إنما ذكرناه ها ههنا ; لأن الظاهر أن هؤلاء الأئمة رضي الله عنهم : إنما يفعلون هذا عن توقيف . والمراد بالتجريد هاهنا : الإفراد ، والله أعلم .

وقال الدارقطني : ثنا أبو عبيد الله القاسم بن إسماعيل ، ومحمد بن مخلد قالا : ثنا علي بن محمد بن معاوية الرزاز ، ثنا عبد الله بن نافع ، عن عبيد الله بن عمر ، عن نافع ، عن ابن عمر : أن النبي صلى الله عليه وسلم استعمل عتاب بن أسيد على الحج فأفرد ، ثم استعمل أبا بكر سنة تسع فأفرد الحج ، ثم حج رسول الله صلى الله عليه وسلم سنة عشر فأفرد الحج ، ثم توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم واستخلف أبو بكر ، فبعث عمر فأفرد الحج ، ثم حج أبو بكر فأفرد الحج ، ثم توفي أبو بكر واستخلف عمر ، فبعث عبد الرحمن بن عوف فأفرد الحج . ثم حج فأفرد الحج ثم حج عمر سنيه كلها فأفرد الحج ، في إسناده عبد الله بن عمر العمري ، وهو ضعيف . لكن قال الحافظ البيهقي : له شاهد بإسناد صحيح . انتهى من البداية والنهاية لابن كثير .

وقال مسلم بن الحجاج رحمه الله في صحيحه : حدثني هارون بن سعيد الإبلي ، حدثنا أبو وهب ، أخبرني عمرو وهو ابن الحارث ، عن محمد بن عبد الرحمن أن رجلا من أهل العراق قال له : سل لي عروة بن الزبير ، عن رجل يهل بالحج ، فإذا طاف بالبيت أيحل أم لا ؟ فإن قال لك : لا يحل ، فقل له : إن رجلا يقول ذلك ، قال : فسألته فقال : لا يحل من أهل بالحج إلا بالحج ، قلت : فإن رجلا كان يقول ذلك . قال : بئسما قال . فتصداني الرجل فسألني فحدثته فقال : فقل له فإن رجلا كان يخبر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد فعل ذلك وما شأن أسماء والزبير فعلا ذلك ؟ قال : فجئته ، فذكرت له ذلك فقال : من هذا ؟ فقلت : لا أدري ، قال : فما باله لا يأتيني بنفسه يسألني ، أظنه عراقيا ؟ فقلت : لا أدري . قال : فإنه قد كذب ، قد حج رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرتني عائشة رضي الله عنها : أن [ ص: 351 ] أول شيء بدأ به حين قدم مكة ، أنه توضأ ثم طاف بالبيت ، ثم حج أبو بكر ، فكان أول شيء بدأ به الطواف بالبيت ، ثم لم يكن غيره ، ثم عمر مثل ذلك ، ثم حج عثمان فرأيته أول شيء بدأ به الطواف بالبيت ، ثم لم يكن غيره ، ثم معاوية ، وعبد الله بن عمر ، ثم حججت مع أبي - الزبير بن العوام - فكان أول شيء بدأ به الطواف بالبيت ثم لم يكن غيره ، ثم رأيت المهاجرين والأنصار يفعلون ذلك ، ثم لم يكن غيره ، ثم آخر من رأيت فعل ذلك ابن عمر ، ثم لم ينقضها بعمرة ، وهذا ابن عمر عندهم أفلا يسألونه ؟ ولا أحد ممن مضى كانوا يبدءون بشيء حين يضعون أقدامهم أول من الطواف بالبيت ثم لا يحلون ، وقد رأيت أمي وخالتي حين تقدمان لا تبتدئان بشيء أول من البيت تطوفان به ثم لا تحلان ، وقد أخبرتني أمي أنها أقبلت هي وأختها والزبير وفلان وفلان بعمرة قط ، فلما مسحوا الركن حلوا ، وقد كذب فيما ذكر من ذلك . انتهى من صحيح مسلم ، وفيه التصريح من عروة بن الزبير رضي الله عنهما بأن الخلفاء الراشدين والمهاجرين والأنصار كانت عادتهم أن يأتوا مفردين بالحج ، ثم يتمونه كما رأيت .

وقال النووي في شرح الحديث المذكور : وقوله : " ثم لم يكن غيره " ، وكذا قال فيما بعده : ولم يكن غيره ، هكذا هو في جميع النسخ ( غيره ) بالغين المعجمة والياء ، قال القاضي عياض : كذا هو في جميع النسخ ، قال : وهو تصحيف وصوابه : ثم لم تكن عمرة . بضم العين المهملة وبالميم ، وكان السائل لعروة إنما سأله عن فسخ الحج إلى العمرة على مذهب من رأى ذلك ، واحتج بأمر النبي صلى الله عليه وسلم لهم بذلك في حجة الوداع ، فأعلمه عروة أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفعل ذلك بنفسه ، ولا من جاء بعده . هذا كلام القاضي .

قلت : هذا الذي قاله من أن قول ( غيره ) تصحيف ، ليس كما قال ، بل هو صحيح في الرواية وصحيح في المعنى ; لأن قوله ( غيره ) يتناول العمرة وغيرها .

ويكون تقدير الكلام : ثم حج أبو بكر فكان أول شيء بدأ به الطواف بالبيت ثم لم يكن غيره ؛ أي : لم يغير الحج ، ولم ينقله ويفسخه إلى غيره ؛ لا عمرة ولا قران ، والله أعلم . انتهى كلام النووي ، وهو صواب .

وقال البخاري في صحيحه : حدثنا أحمد بن عيسى ، حدثنا ابن وهب ، قال : أخبرني عمرو بن الحارث ، عن محمد بن عبد الرحمن بن نوفل القرشي : أنه سأل عروة بن الزبير ، فقال : قد حج النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرتني عائشة رضي الله عنها أنه أول شيء بدأ به حين قدم أنه توضأ ، ثم طاف بالبيت ، ثم لم تكن عمرة ، ثم حج أبو بكر رضي الله عنه ، فكان أول [ ص: 352 ] شيء بدأ به الطواف بالبيت ثم لم تكن عمرة ، ثم عمر رضي الله عنه مثل ذلك ، ثم حج عثمان رضي الله عنه ، فرأيته أول شيء بدأ به الطواف بالبيت ، ثم لم تكن عمرة ، ثم معاوية وعبد الله بن عمر ، ثم حججت مع أبي - الزبير بن العوام - فكان أول شيء بدأ به الطواف بالبيت ، ثم لم تكن عمرة ، ثم رأيت المهاجرين والأنصار يفعلون ذلك ، ثم لم تكن عمرة ، ثم آخر من رأيت فعل ذلك ابن عمر ، ثم لم ينقضها عمرة ، وهذا ابن عمر عندهم فلا يسألونه ، ولا أحد ممن مضى ما كانوا يبدءون بشيء حتى يضعوا أقدامهم من الطواف بالبيت ، ثم لا يحلون . وقد رأيت أمي وخالتي حين تقدمان لا تبتدئان بشيء أول من البيت تطوفان به ثم لا تحلان ، وقد أخبرتني أمي أنها أهلت هي وأختها والزبير وفلان وفلان بعمرة ، فلما مسحوا الركن حلوا . انتهى منه .

وقال البخاري رحمه الله في صحيحه أيضا : حدثنا أصبغ ، عن ابن وهب ، أخبرني عمرو ، عن محمد بن عبد الرحمن ، ذكرت لعروة قال : فأخبرتني عائشة رضي الله عنها أن أول شيء بدأ به حين قدم النبي صلى الله عليه وسلم أنه توضأ ، ثم طاف ، ثم لم تكن عمرة ، ثم حج أبو بكر وعمر رضي الله عنهما مثله ، ثم حججت مع أبي - الزبير رضي الله عنه - فأول شيء بدأ به الطواف ، ثم رأيت المهاجرين والأنصار يفعلونه ، وقد أخبرتني أمي أنها أهلت هي وأختها والزبير وفلان وفلان بعمرة ، فلما مسحوا الركن حلوا . انتهى منه .

قالوا : وجواب ابن عباس رضي الله عنهما عن حديث عروة المذكور لا يدفع احتجاج عروة بما ذكر ، وكذلك جواب ابن حزم ، وقد أجاب عروة ابن عباس فأسكته .

أما جواب ابن عباس الذي ذكروه ، فهو ما رواه الأعمش ، عن فضيل بن عمرو ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : تمتع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال عروة : نهى أبو بكر وعمر عن المتعة ، فقال ابن عباس : أراكم ستهلكون ، أقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقول قال أبو بكر وعمر . وقال عبد الرزاق : حدثنا معمر ، عن أيوب قال : قال عروة لابن عباس : ألا تتقي الله ، ترخص في المتعة ، فقال ابن عباس : سل أمك يا عرية ، فقال عروة : أما أبو بكر وعمر فلم يفعلا . فقال ابن عباس : والله ما أراكم منتهين حتى يعذبكم الله ، أحدثكم عن رسول الله ، وتحدثوننا عن أبي بكر وعمر ، فقال عروة : لهما أعلم بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأتبع لها منك . اهـ . قالوا : فترى عروة أجاب ابن عباس بجواب أسكته به .

ولا شك أن الخلفاء الراشدين أبا بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم كانوا أعلم بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأتبع لها ، لا يمكن ابن عباس أن ينكر ذلك .

[ ص: 353 ] وأما جواب ابن حزم فهو قوله : إن ابن عباس أعلم بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر من عروة ، وأنه - يعني ابن عباس - خير من عروة وأولى منه بالنبي والخلفاء الراشدين ، ثم ساق آثارا من طريق البزار وغيره عن ابن عباس ، يذكر فيها التمتع ، عن أبي بكر وعمر ، وأن أول من نهى عنه معاوية ، ولا يخفى سقوط كلام ابن حزم المذكور رده على عروة بن الزبير رضي الله عنهما . أما قوله : إن ابن عباس أعلم من عروة وأفضل ، فلا يرد رواية عروة بسند صحيح عن الخلفاء الراشدين أنهم كانوا يفردون كما ثبت في صحيح مسلم . وابن عباس لم يعارض عروة بأن فعلهما كان مخالفا لما ذكره عروة من الإفراد ، وإنما احتج بأن أمر النبي أولى بالاتباع من أمرهما ، وقد أجابه عروة بأنهما ما فعلا إلا ما علما من النبي صلى الله عليه وسلم أنه أكمل وأتبع لسنته صلى الله عليه وسلم ، وأما الآثار التي رواها من طريق ليث وغيره فلا يخفى أنها لا تعد شيئا مع ما ثبت في الصحيحين عنهم من الروايات التي لا مطعن فيها أنهم كانوا يفضلون الإفراد .

ومن فهم كلامهم حق الفهم - أعني الخلفاء الراشدين - علم أنهم رضي الله عنهم يعلمون جواز التمتع والقران علما لا يخالجه شك ، ولكنهم يرون أنه أتم للحج والعمرة أن يفصل بينهما كما لا يخفى ، والمعنى غير خاف ، بل هو ظاهر من سياق السؤال والجواب لمن تأمل ذلك ، ومما يدل على صحة ما ذكره عروة بن الزبير في حديث مسلم المذكور من أن الخلفاء كانوا يفردون ما ثبت في الصحيحين من نحو ذلك ، عن عمر وعثمان رضي الله عنهما .

قال البخاري في صحيحه : حدثنا محمد بن يوسف ، حدثنا سفيان ، عن قيس بن مسلم ، عن طارق بن شهاب ، عن أبي موسى رضي الله عنه قال : بعثني النبي صلى الله عليه وسلم إلى قوم باليمن ، فجئت وهو بالبطحاء ، فقال : بما أهللت ؟ قلت : أهللت كإهلال النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : هل معك من هدي ؟ قلت : لا ، فأمرني فطفت بالبيت ، وبالصفا والمروة ، ثم أمرني فأحللت فأتيت امرأة من قومي فمشطتني - أو : غسلت رأسي - فقدم عمر رضي الله عنه فقال : إن نأخذ بكتاب الله ، فإنه يأمر بالتمام ، قال الله : وأتموا الحج والعمرة [ 2 \ 196 ] وإن نأخذ بسنة النبي صلى الله عليه وسلم ، فإنه لم يحل حتى نحر الهدي . انتهى منه ، ونحوه أخرجه مسلم أيضا .

وقال ابن حجر في فتح الباري في الكلام على الحديث المذكور : محصل جواب عمر في منعه الناس من التحلل بالعمرة ، أن كتاب الله دال على منع التحلل لأمره بالإتمام ، [ ص: 354 ] فيقتضي استمرار الإحرام إلى فراغ الحج ، وأن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أيضا دالة على ذلك ; لأنه لم يحل حتى بلغ الهدي محله ، لكن الجواب عن ذلك هو ما أجاب به هو صلى الله عليه وسلم حيث قال : " ولولا أن معي الهدي لأحللت " فدل على جواز الإحلال لمن لم يكن معه هدي ، وتبين من مجموع ما جاء عن عمر أنه منع منه سدا للذريعة ، وقال المازري : قيل إن المتعة التي نهى عنها عمر فسخ الحج إلى العمرة ، وقيل : العمرة في أشهر الحج ، ثم الحج من عامه . وعلى الثاني : إنما نهى عنها ترغيبا في الإفراد الذي هو أفضل ، لا أنه يعتقد بطلانها وتحريمها . وقال عياض : الظاهر أنه نهى عن الفسخ ، ولهذا كان يضرب الناس عليه ، كما رواه مسلم بناء على معتقده : أن الفسخ كان خاصا بتلك السنة .

قال النووي : والمختار أنه نهى عن المتعة المعروفة التي هي الاعتمار في أشهر الحج ، ثم الحج من عامه ، وهو على التنزيه للترغيب في الإفراد ، كما يظهر من كلامه ، ثم انعقد الإجماع على جواز التمتع من غير كراهة ، وبقي الاختلاف في الأفضل . انتهى الغرض من كلام ابن حجر في الفتح ، وهو واضح في أن عمر رضي الله عنه ما كان يرى إلا تفضيل الإفراد على غيره ، وشاهد لصحة قول من قال : إنه حج بالناس عشر حجج مفردا ، وقال مسلم بن الحجاج رحمه الله في صحيحه : حدثنا محمد بن المثنى ، وابن بشار ، قال ابن المثنى : حدثنا محمد بن جعفر ، حدثنا شعبة قال : سمعت قتادة يحدث عن أبي نضرة قال : كان ابن عباس يأمر بالمتعة ، وكان ابن الزبير ينهى عنها ، قال : فذكرت ذلك لجابر بن عبد الله فقال : على يدي دار الحديث : تمتعنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما قام عمر قال : إن الله كان يحل لرسوله ما شاء بما شاء ، وإن القرآن قد نزل منازله ، فأتموا الحج والعمرة لله كما أمركم الله ، وأبتوا نكاح هذه النساء ، فإن أوتى برجل نكح امرأة إلى أجل إلا رجمته بالحجارة . وحدثنيه زهير بن حرب ، حدثنا عفان ، حدثنا همام ، حدثنا قتادة بهذا الإسناد وقال في الحديث : فافصلوا حجكم من عمرتكم ، فإنه أتم لحجكم ، وأتم لعمرتكم . اهـ منه .

وهو دليل على ما ذكرنا من أن عمر رضي الله عنه يرى أن الإفراد أفضل ، ويدل على صدق من قال : إنه حج عشر حجج بالناس مفردا كما تقدم .

وقال البخاري رحمه الله في صحيحه : حدثنا محمد بن بشار ، حدثنا غندر ، حدثنا شعبة ، عن الحكم ، عن علي بن حسين ، عن مروان بن الحكم قال : شهدت عثمان وعليا رضي الله عنهما ، وعثمان ينهى عن المتعة ، وأن يجمع بينهما ، الحديث . وفيه [ ص: 355 ] التصريح بأن أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه كان يرى أفضلية الإفراد على غيره لنهيه عن التمتع والقران الثابت في الصحيح كما رأيت .

وقال مسلم في صحيحه : حدثنا محمد بن المثنى وابن بشار قال ابن المثنى : حدثنا محمد بن جعفر ، حدثنا شعبة ، عن قتادة قال : قال عبد الله بن شقيق : كان عثمان ينهى عن المتعة ، وكان علي يأمر بها ، الحديث . وفيه التصريح بنهي عثمان رضي الله عنه ، عن التمتع ، وبما ذكرنا كله تعلم أن أبا بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم كلهم كانوا يرون الإفراد أفضل ، وكان هو الذي يفعلونه كما رأيت الروايات الصحيحة بذلك ، وهو المعروف عنهم رضي الله عنهم فما ورد مما يخالف ذلك فهو مردود بما رأيت .

التالي السابق


الخدمات العلمية