صفحة جزء
الفرع الثالث : التحقيق أن الاضطباع يسن في الطواف ، لثبوت ذلك عنه صلى الله عليه وسلم .

قال أبو داود في سننه : حدثنا محمد بن كثير : أخبرنا سفيان ، عن ابن جريج ، عن ابن [ ص: 395 ] يعلى ، عن يعلى ، قال : " طاف النبي صلى الله عليه وسلم مضطبعا ببرد أخضر " ، حدثنا أبو سلمة موسى ، ثنا حماد ، عن عبد الله بن عثمان بن خثيم ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه اعتمروا من الجعرانة ، فرملوا بالبيت ، وجعلوا أرديتهم تحت آباطهم ، قد قذفوها على عواتقهم اليسرى " انتهى منه .

وقال الترمذي في جامعه : حدثنا محمود بن غيلان ، حدثنا قبيصة ، عن سفيان ، عن ابن جريج ، عن عبد الحميد ، عن ابن يعلى ، عن أبيه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم : " طاف بالبيت مضطبعا ، وعليه برد " ، قال أبو عيسى : هذا حديث الثوري ، عن ابن جريج لا نعرفه ، إلا من حديثه ، وهو حديث حسن صحيح ، وعبد الحميد هو ابن جبير بن شيبة ، عن ابن يعلى ، عن أبيه ، وهو يعلى بن أمية . ا هـ .

وقال ابن ماجه في سننه : حدثنا محمد بن يحيى ، ثنا محمد بن يوسف وقبيصة ، قالا : ثنا سفيان ، عن ابن جريج ، عن عبد الحميد ، عن ابن يعلى بن أمية ، عن أبيه يعلى : " أن النبي صلى الله عليه وسلم طاف مضطبعا " ، قال قبيصة : وعليه برد . انتهى منه . وقال النووي في شرح المهذب في حديث ابن عباس الذي ذكرناه آنفا في الاضطباع عند أبي داود ، وحديث ابن عباس هذا صحيح ، رواه أبو داود بإسناد صحيح ، ولفظه : عن ابن عباس ثم ساقه كما سقناه آنفا ، ثم قال : ورواه البيهقي بإسناد صحيح ، قال عن ابن عباس .

قال : " اضطبع رسول الله صلى الله عليه وسلم هو وأصحابه ، ورملوا ثلاثة أشواط ، ومشوا أربعا " ، وعن يعلى بن أمية رضي الله عنه : " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم طاف بالبيت مضطبعا ببرد " ، رواه أبو داود ، والترمذي ، وابن ماجه بأسانيد صحيحة . وقال الترمذي : هو حديث حسن صحيح . وفي رواية البيهقي : " رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يطوف بالبيت مضطبعا " إسناده صحيح ، وعن أسلم مولى عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول : فيم الرملان الآن ، والكشف عن المناكب ، وقد وطد الله الإسلام ، ونفى الكفر ، وأهله ، ومع ذلك لا نترك شيئا كنا نصنعه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم . رواه البيهقي بإسناد صحيح . انتهى كلام النووي .

وبذلك تعلم سنية الاضطباع في الطواف ، خلافا لمالك ، ومن قال بقوله : إن الاضطباع ليس بسنة .

وصفة الاضطباع : أن يجعل وسط الرداء تحت كتفه اليمنى ، ويرد طرفيه على كتفه اليسرى ، وتبقى كتفه اليمنى مكشوفة ، وهو افتعال من الضبع بفتح الضاد ، وسكون الباء بمعنى : العضد سمي بذلك لإبداء أحد الضبعين ، والعرب تسمي العضد : ضبعا . ومنه قول [ ص: 396 ] طرفة في معلقته .


وإن شئت سامى واسط الكور رأسها وعامت بضبعيها نجاء الخفيدد



تقول العرب : ضبعه إذا مد إليه ضبعه ، ليضربه . ومنه قول عمرو بن شاس :


نذود الملوك عنكم وتذودنا     ولا صلح حتى تضبعونا ونضبعا



؛ أي تمدون أضباعكم إلينا بالسيوف ، ونمد أضباعنا إليكم ، وقيل : تضبعون ؛ أي : تمدون أضباعكم للصلح والمصافحة . والطاء في الإضباع مبدلة من تاء الافتعال ; لأن الضاد من حروف الإطباق على القاعدة المشار لها بقوله في الخلاصة :


طاتا افتعال رد إثر مطبق     في ادان وازدد وادكر دالا بقي



التالي السابق


الخدمات العلمية