المسألة السابعة 
اختلف العلماء في 
السعي بين الصفا  والمروة  في الحج والعمرة ، هل هو ركن من   
[ ص: 416 ] أركان الحج والعمرة ؟ لا يصح واحد منهما بدونه ، ولا يجبر بدم ، أو هو واجب يجبر بدم ، أو سنة لا يلزم بتركه دم ؟ وممن قال : إنه ركن من أركان الحج ، والعمرة 
مالك  ، 
 nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي  ، وأصحابهما ، 
 nindex.php?page=showalam&ids=25وأم المؤمنين عائشة  ، 
وإسحاق  ، 
 nindex.php?page=showalam&ids=11956وأبو ثور  ، 
وداود  ، وهو رواية عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد  كما نقله 
النووي  في شرح المهذب ، وقال في شرح 
مسلم    : مذهب جماهير العلماء من الصحابة والتابعين ، ومن بعدهم : أن السعي بين 
الصفا  والمروة  ركن من أركان الحج ، لا يصح إلا به ، ولا يجبر بدم ، وممن قال بهذا : 
مالك  ، 
 nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي  ، 
وأحمد  ، 
وإسحاق  ، 
 nindex.php?page=showalam&ids=11956وأبو ثور    . انتهى محل الغرض منه ، وعزوه إياه 
لأحمد  ، قد قدمنا فيه أنه إحدى الروايات عن 
أحمد    . 
وقال 
 nindex.php?page=showalam&ids=13439ابن قدامة  في المغني : وروي عن 
أحمد  أنه ركن لا يتم الحج إلا به ، وهو قول 
عائشة  ، 
وعروة  ، 
ومالك  ، 
 nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي    . 
وممن قال إنه واجب يجبر بدم : 
أبو حنيفة  وأصحابه ، 
والحسن  ، 
وقتادة  ، 
 nindex.php?page=showalam&ids=16004والثوري  ، وبه قال القاضي من الحنابلة ، وذكره 
النووي  رواية عن 
أحمد  ، وقد رواه 
ابن القصار  من المالكية ، عن القاضي 
إسماعيل  ، عن 
مالك  ، وقال 
 nindex.php?page=showalam&ids=13439ابن قدامة  في المغني : إنه أولى . وذكر 
النووي  عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=16248طاوس  أنه قال : من ترك من السعي أربعة أشواط لزمه دم ، وإن ترك دونها لزمه لكل شوط نصف صاع   . وليس هو بركن ، ثم قال : وهو مذهب 
أبي حنيفة    . انتهى . 
وما قال 
النووي    : إنه مذهب 
أبي حنيفة  من أن 
ترك أقل السعي فيه الصدقة بنصف صاع عن كل شوط ، عزاه 
شهاب الدين أحمد الشلبي  في حاشيته على تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق للحاكم الشهيد في مختصره المسمى بالكافي ا هـ . 
ومعلوم أن مذهب 
أبي حنيفة  في طواف الإفاضة ، أن من ترك منه ثلاثة أشواط فأقل ، فعليه دم ، وحجه صحيح ، وتفريقه بين الأقل والأكثر في الطواف الذي هو ركن يدل على التفريق بينهما في السعي ، وممن روي عنه أن السعي بين 
الصفا  والمروة  سنة لا يلزم بتركه دم : 
 nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود  ، 
 nindex.php?page=showalam&ids=34وأبي بن كعب  ، 
وأنس  ، 
 nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس  ، 
وابن الزبير  ، 
 nindex.php?page=showalam&ids=16972وابن سيرين    . 
وإذا علمت أقوال أهل العلم في السعي : فاعلم أنا نريد هنا أن نبين أدلة كل منهم على ما ذهب إليه مع مناقشتها . 
فأما الذين قالوا : إنه ركن من أركان الحج والعمرة ، فقد استدلوا لذلك بأدلة : 
منها قوله تعالى : 
إن الصفا والمروة من شعائر الله   [ 2 \ 158 ] . قالوا :   
[ ص: 417 ] فتصريحه تعالى بأن 
الصفا  والمروة  من شعائر الله يدل على أن السعي بينهما أمر حتم لا بد منه ، لأن شعائر الله عظيمة ، لا يجوز التهاون بها . وقد أشار 
 nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري  رحمه الله في صحيحه إلى أن كونهما من شعائر الله . 
يدل على ذلك . قال : باب وجوب 
الصفا  والمروة  ، وجعل من شعائر الله . 
وقال 
ابن حجر  في الفتح في شرح قول 
 nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري    : وجعل من شعائر الله ؛ أي : وجوب السعي بينهما ، مستفاد من كونهما جعلا من شعائر الله ، قاله 
ابن المنير  في الحاشية . انتهى الغرض من كلامه . 
قال مقيده - عفا الله عنه وغفر له - : ومما يدل على أن شعائر الله لا يجوز التهاون بها ، وعدم إقامتها قوله تعالى : 
ياأيها الذين آمنوا لا تحلوا شعائر الله الآية [ 2 \ 5 ] . وقوله تعالى : 
ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب الآية [ 22 ] ، ومن أدلتهم على ذلك : " 
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008641أن النبي صلى الله عليه وسلم طاف في حجه وعمرته بين الصفا  والمروة  سبعا   " ، وقد دل على أن ذلك لا بد منه دليلان : 
الأول : هو ما قدمنا من أنه تقرر في الأصول أن 
فعل النبي صلى الله عليه وسلم ، إذا كان لبيان نص مجمل من كتاب الله ، أن ذلك الفعل يكون لازما ، وسعيه بين 
الصفا  والمروة  فعل بين المراد من قوله تعالى : 
إن الصفا والمروة من شعائر الله والدليل على أنه فعله بيانا للآية هو قوله صلى الله عليه وسلم : " 
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008642نبدأ بما بدأ الله به   " ، يعني الصفا ; لأن الله بدأ بها في قوله : 
إن الصفا والمروة   . وفي رواية " أبدأ " بهمزة المتكلم ، والفعل مضارع . وفي رواية عند 
 nindex.php?page=showalam&ids=15397النسائي    : " 
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008643ابدءوا بما بدأ الله به   " بصيغة الأمر . 
الدليل الثاني : أنه صلى الله عليه وسلم قال : " 
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008644لتأخذوا عني مناسككم   " ، وقد طاف بين 
الصفا  والمروة  سبعا ، فيلزمنا أن نأخذ عنه ذلك من مناسكنا ، ولو تركناه لكنا مخالفين أمره بأخذه عنه ، والله تعالى يقول : 
فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم   [ 24 \ 63 ] فاجتماع هذه الأمور الثلاثة التي ذكرنا يدل على اللزوم : وهي كونه سعى بين 
الصفا  والمروة  سبعا ، وأن ذلك بيان منه لآية من كتاب الله وأنه قال : " 
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008644لتأخذوا عني مناسككم   " . 
أما طوافه بينهما سبعا فهو ثابت بالروايات الصحيحة . 
منها : حديث 
 nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر  الثابت في الصحيح ولفظه في صحيح 
 nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري    . قال : " 
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008645قدم   [ ص: 418 ] رسول الله صلى الله عليه وسلم فطاف بالبيت سبعا ، وصلى خلف المقام ركعتين ، وطاف بين الصفا  والمروة  سبعا . لقد كان لكم في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة   " ، وفي لفظ في صحيح 
مسلم  ، من حديث 
 nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر    : " 
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008646فأتى الصفا  ، فطاف بالصفا  ، والمروة  سبعة أطواف   " ، والروايات بسعيه صلى الله عليه وسلم سبعا بين 
الصفا  والمروة  كثيرة معروفة . وقد مثلنا لها بحديث 
 nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر  المتفق عليه . وأما كون ذلك السعي بيانا لآية : 
إن الصفا والمروة من شعائر الله   . فهو أمر لا شك فيه ، ويدل عليه أمران : 
أحدهما : سبب نزول الآية ; لأنه ثبت في الصحيحين أنها نزلت في سؤالهم عن السعي بين 
الصفا  والمروة  ، وإذا كانت نازلة جوابا عن سؤالهم عن حكم السعي ، بين 
الصفا  والمروة  ، فسعي النبي صلى الله عليه وسلم بعد نزولها بيان لها . 
والأمر الثاني : هو ما تقدم من قوله صلى الله عليه وسلم : " 
nindex.php?page=hadith&LINKID=1007423أبدأ بما بدأ الله به   " يعني 
الصفا  كما تقدم قريبا ، وأما حديث " 
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008644لتأخذوا عني مناسككم   " ، فقد قال 
مسلم  في صحيحه في باب استحباب رمي جمرة العقبة يوم النحر راكبا ، وبيان قوله صلى الله عليه وسلم : " 
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008644لتأخذوا عني مناسككم   " . 
حدثنا 
إسحاق بن إبراهيم  ، 
 nindex.php?page=showalam&ids=16616وعلي بن خشرم  جميعا ، عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=16753عيسى بن يونس  ، قال 
ابن خشرم    : أخبرنا 
عيسى  ، عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج  ، أخبرني 
أبو الزبير  أنه سمع 
جابرا  يقول : 
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008647رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يرمي على راحلته يوم النحر ، ويقول : " لتأخذوا عني مناسككم ، فإني لا أدري لعلي لا أحج بعد حجتي هذه   " ، وقال 
البيهقي  في السنن الكبرى : في باب الإيضاع في 
وادي محسر    : وأخبرنا 
 nindex.php?page=showalam&ids=13342علي بن أحمد بن عبدان  ، أنبأنا 
 nindex.php?page=showalam&ids=14687سليمان بن أحمد بن أيوب  ، ثنا 
 nindex.php?page=showalam&ids=16628علي بن عبد العزيز  ، ثنا 
أبو نعيم  قال : وحدثنا 
حفص  ، ثنا 
قبيصة  قال : وحدثنا 
 nindex.php?page=showalam&ids=17397يوسف القاضي  ، 
 nindex.php?page=showalam&ids=17102ومعاذ بن المثنى  قالا : ثنا 
ابن كثير  ، قالوا : ثنا 
سفيان  ، عن 
أبي الزبير  ، عن 
جابر  قال : 
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008648أفاض رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وعليه السكينة ، وأمرهم بالسكينة ، وأوضع في وادي محسر  ، وأمرهم أن يرموا الجمار مثل حصى الخذف ، وقال : " خذوا عني مناسككم لعلي لا أراكم بعد عامي هذا   " ، انتهى منه . وقال 
النووي  في شرح المهذب : إن هذا الإسناد الذي رواه به 
البيهقي  صحيح على شرط 
 nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري  ، 
ومسلم    . 
واعلم أن رواية 
مسلم  ورواية 
البيهقي  المذكورتين معناهما واحد ; لأن : " 
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008444خذوا عني مناسككم   " بصيغة فعل الأمر يؤدي معنى قوله : " 
لتأخذوا عني   " ، بالفعل المضارع   
[ ص: 419 ] المجزوم بلام الأمر ، فكلتا الصيغتين صيغة أمر ، ومن المعلوم أن الصيغ الدالة على الأمر أربع الأولى فعل الأمر نحو : 
أقم الصلاة لدلوك الشمس   [ 17 \ 78 ] وقوله : " 
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008444خذوا عني مناسككم   " . 
الثانية : الفعل المضارع المجزوم بلام الأمر كقوله تعالى : 
ثم ليقضوا تفثهم وليوفوا نذورهم وليطوفوا بالبيت العتيق   [ 22 \ 29 ] وقوله : " لتأخذوا عني مناسككم " في رواية 
مسلم    . 
الثالثة : اسم فعل الأمر نحو قوله تعالى : 
عليكم أنفسكم الآية [ 5 \ 105 ] . 
الرابعة : المصدر النائب عن فعله كقوله تعالى : 
فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب   [ 47 \ 4 ] ؛ أي : فاضربوا رقابهم . 
ومن أدلتهم على أن السعي فرض لا بد منه ما أخرجه الشيخان في صحيحيهما ، عن 
عائشة  رضي الله عنها قال 
 nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري  رحمه الله في صحيحه : حدثنا 
أبو اليمان  ، أخبرنا 
شعيب  ، عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=12300الزهري  قال 
عروة    : 
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008649سألت عائشة  رضي الله عنها فقلت لها : أرأيت قوله تعالى : إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما   [ 2 \ 158 ] فوالله ما على أحد جناح ألا يطوف بالصفا والمروة . قالت : بئس ما قلت يا ابن أختي ، إن هذه لو كانت كما أولتها عليه كانت لا جناح عليه ، ألا يطوف بهما ، ولكنها أنزلت في الأنصار  ، كانوا قبل أن يسلموا يهلون لمناة الطاغية ، التي كانوا يعبدونها ، عند المشلل فكان من أهل يتحرج أن يطوف بالصفا  ، والمروة  ، فلما أسلموا سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك ، قالوا : يا رسول الله ، إنا كنا نتحرج أن نطوف بين الصفا  والمروة  ، فأنزل الله تعالى : إن الصفا والمروة من شعائر الله قالت عائشة  رضي الله عنها : وقد سن رسول الله صلى الله عليه وسلم الطواف بينهما ، فليس لأحد أن يترك الطواف بينهما ، ثم أخبرت 
 nindex.php?page=showalam&ids=11947أبا بكر بن عبد الرحمن  فقال : إن هذا العلم ما كنت سمعته ، ولقد سمعت رجالا من أهل العلم يذكرون أن الناس إلا من ذكرت 
عائشة  ، 
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008650ممن كان يهل بمناة كانوا يطوفون كلهم بالصفا  والمروة  ، فلما ذكر الله تعالى الطواف بالبيت ولم يذكر الصفا  والمروة  ، قالوا : يا رسول الله ، كنا نطوف بالصفا  والمروة  ، وإن الله أنزل الطواف بالبيت  ، فلم يذكر الصفا  ، فهل علينا من حرج أن نطوف بالصفا  ، والمروة ؟ فأنزل الله تعالى : إن الصفا والمروة من شعائر الله الآية [ 2 \ 158 ] . قال 
أبو بكر    : فأسمع هذه الآية نزلت في الفريقين كليهما ،   
[ ص: 420 ] في الذين كانوا يتحرجون أن يطوفوا بالجاهلية 
بالصفا  والمروة  ، والذين يطوفون ثم تحرجوا أن يطوفوا بهما في الإسلام ، من أجل أن الله تعالى أمر بالطواف 
بالبيت  ، ولم يذكر 
الصفا  ، حتى ذكر ذلك بعد ما ذكر الطواف 
بالبيت    . انتهى من صحيح 
 nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري    . 
وهذا الحديث الصحيح صريح في أن النبي صلى الله عليه وسلم سن الطواف بين 
الصفا  والمروة  ؛ أي : فرضه بالسنة ، وقد أجابت 
عائشة  عما يقال : إن رفع الجناح في قوله : 
فلا جناح عليه أن يطوف بهما   [ 2 \ 158 ] ينافي كونه فرضا بأن ذلك نزل في قوم تحرجوا من السعي بين 
الصفا  والمروة  ، وظنوا أن ذلك لا يجوز لهم ، فنزلت الآية مبينة أن ما ظنوه من الحرج في ذلك منفي . 
وقد تقرر في الأصول أن النص الوارد في جواب سؤال لا مفهوم مخالفة له ، كما سيأتي إيضاحه إن شاء الله في هذه المسألة . وقال 
ابن حجر  في : فتح الباري في الكلام على هذا الحديث : .