صفحة جزء
فروع تتعلق بهذه المسألة

الفرع الأول : اعلم أن التحقيق أنه لا يجوز الرمي في أيام التشريق إلا بعد الزوال لثبوت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم .

ففي صحيح مسلم من حديث جابر قال : " رمى رسول الله صلى الله عليه وسلم الجمرة يوم النحر ضحى ، وأما بعد فإذا زالت الشمس " هذا لفظ مسلم عنه في صحيحه ، وحديث جابر هذا الذي رواه مسلم في صحيحه موصولا باللفظ الذي ذكرنا ، رواه البخاري تعليقا مجزوما به بلفظ : وقال جابر : " رمى النبي صلى الله عليه وسلم يوم النحر ضحى ، ورمى بعد ذلك بعد الزوال " ، ثم ساق البخاري رحمه الله بسنده عن ابن عمر قال : كنا نتحين ، فإذا زالت الشمس رمينا .

وقال ابن حجر في ( ( فتح الباري ) ) في قول ابن عمر : كنا نتحين . الحديث ، فأعلمه بما كانوا يفعلونه في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ، وهو دليل على أن الحافظ ابن حجر يرى قول ابن عمر : كنا نتحين ، فإذا زالت الشمس رمينا ، له حكم الرفع ، وحديث جابر الصحيح المذكور قبله صريح في الرفع ، وروى الإمام أحمد ، وأبو داود ، عن عائشة رضي الله عنها قالت : " أفاض رسول الله صلى الله عليه وسلم آخر يوم حين صلى الظهر ، ثم رجع إلى منى فمكث بها ليالي أيام التشريق يرمي الجمرة إذا زالت الشمس " الحديث ، وفي إسناده محمد بن إسحاق ، صاحب المغازي ، وهو مدلس ، وقد قال ابن إسحاق المذكور في الإسناد المذكور ، عن [ ص: 464 ] عبد الرحمن بن القاسم ، عن أبيه ، عن عائشة ، والمدلس إذا عنعن لم تقبل روايته عند أهل الحديث ، وقد قدمنا مرارا أن من يحتج بالمرسل ، يحتج بعنعنة المدلس من باب أولى ، وأن المشهور عن أبي حنيفة ، ومالك ، وأحمد : الاحتجاج بالمرسل . وروى الإمام أحمد ، وابن ماجه ، والترمذي وحسنه عن ابن عباس قال : " رمى رسول الله صلى الله عليه وسلم الجمار حين زالت الشمس " .

وبهذه النصوص الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم تعلم أن قول عطاء ، وطاوس بجواز الرمي في أيام التشريق قبل الزوال ، وترخيص أبي حنيفة في الرمي يوم النفر قبل الزوال ، وقول إسحاق : إن رمى قبل الزوال في اليوم الثالث أجزأه ، كل ذلك خلاف التحقيق لأنه مخالف لفعل النبي صلى الله عليه وسلم الثابت عنه المعتضد بقوله : " لتأخذوا عني مناسككم " ، ولذلك خالف أبا حنيفة في ترخيصه المذكور صاحباه محمد ، وأبو يوسف ، ولم يرد في كتاب الله ، ولا سنة نبيه صلى الله عليه وسلم شيء يخالف ذلك ، فالقول بالرمي قبل الزوال أيام التشريق لا مستند له ألبتة مع مخالفته للسنة الثابتة عنه صلى الله عليه وسلم ، فلا ينبغي لأحد أن يفعله ، والعلم عند الله تعالى .

التالي السابق


الخدمات العلمية