وكون 
إحرام أحد الزوجين أو الولي مانعا من عقد النكاح ، هو الذي عليه أكثر أهل العلم . وعزاه 
النووي  في " شرح المهذب " لجماهير العلماء من الصحابة والتابعين فمن بعدهم . وقال : وهو مذهب 
 nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب  ، 
وعثمان  ، 
وعلي  ، 
 nindex.php?page=showalam&ids=47وزيد بن ثابت  ، 
 nindex.php?page=showalam&ids=12وابن عمر  ، 
 nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس  ، 
 nindex.php?page=showalam&ids=15990وسعيد بن المسيب  ، 
 nindex.php?page=showalam&ids=16049وسليمان بن يسار  ، 
 nindex.php?page=showalam&ids=12300والزهري  ، 
ومالك  ، وأحمد ، 
 nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي  ، 
وإسحاق  ، 
وداود  ، وغيرهم . وقال في " شرح 
مسلم    " : قال 
مالك  ، 
 nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي  ، 
وأحمد  ، وجمهور العلماء من الصحابة ، فمن بعدهم : لا يصح نكاح المحرم ، ا هـ . وقال 
 nindex.php?page=showalam&ids=13439ابن قدامة  في " المغني " . وروي ذلك عن 
عمر  وابنه ، 
 nindex.php?page=showalam&ids=47وزيد بن ثابت    - رضي الله عنهم - وبه   
[ ص: 18 ] قال 
 nindex.php?page=showalam&ids=15990سعيد بن المسيب  ، 
 nindex.php?page=showalam&ids=16049وسليمان بن يسار  ، 
 nindex.php?page=showalam&ids=12300والزهري  ، والأوزاعي ، 
ومالك  ، 
 nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي  ، ا هـ . 
وذهبت جماعة أخرى من أهل العلم إلى أن إحرام أحد الزوجين ، أو الولي ، ليس مانعا من عقد النكاح ، وممن قال بهذا القول : 
أبو حنيفة  ، وهو مروي عن 
الحكم  ، 
 nindex.php?page=showalam&ids=16004والثوري  ، 
وعطاء  ، 
وعكرمة  ، وعزاه صاحب " المغني " ، 
 nindex.php?page=showalam&ids=11لابن عباس  ، والظاهر أن عزو هذا القول الأخير 
 nindex.php?page=showalam&ids=11لابن عباس  أصح من عزو 
النووي  له القول الأول كما ذكرناه عنه آنفا كما سترى : ما يدل على ذلك إن شاء الله تعالى . 
وإذا علمت أقوال أهل العلم في الإحرام بحج أو عمرة ، هل هو مانع من عقد النكاح ، أو لا ؟ ، فهذه أدلتهم . أما الجمهور القائلون : بأن الإحرام مانع من النكاح ، فاستدلوا بما رواه 
مسلم    - رحمه الله - في صحيحه : حدثنا 
يحيى بن يحيى  قال : 
قرأت على 
مالك  ، عن 
نافع  ، عن 
نبيه بن وهب  أن 
عمر بن عبيد الله  أراد أن يزوج 
طلحة بن عمر  ، 
بنت شيبة بن جبير    . فأرسل إلى 
 nindex.php?page=showalam&ids=11795أبان بن عثمان  يحضر ذلك وهو أمير الحج . فقال أبان : سمعت 
 nindex.php?page=showalam&ids=7عثمان بن عفان    - رضي الله عنه - يقول : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " 
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008796لا تنكح المحرم ، ولا ينكح ولا يخطب   "   . 
وحدثنا 
 nindex.php?page=showalam&ids=15302محمد بن أبي بكر المقدمي  ، حدثنا 
 nindex.php?page=showalam&ids=15743حماد بن زيد  ، عن 
أيوب  ، عن 
نافع    . حدثني 
نبيه بن وهب  ، قال : بعثني 
 nindex.php?page=showalam&ids=16679عمر بن عبيد الله بن معمر  ، وكان يخطب 
بنت شيبة بن عثمان  على ابنه . فأرسلني إلى 
 nindex.php?page=showalam&ids=11795أبان بن عثمان  وهو على الموسم . فقال : ألا أراه أعرابيا : " 
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008797إن المحرم لا ينكح ولا ينكح   " ، أخبرنا بذلك 
عثمان  عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وحدثني 
أبو غسان المسمعي  ، حدثنا 
عبد الأعلى    ( ح ) ، وحدثني 
أبو الخطاب زياد بن يحيى  ، حدثنا 
محمد بن سواء    . قالا جميعا : حدثنا 
سعيد  عن 
مطر  ، 
 nindex.php?page=showalam&ids=17389ويعلى بن حكيم  ، عن 
نافع  ، عن 
نبيه بن وهب  ، عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=11795أبان بن عثمان  ، عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=7عثمان بن عفان    - رضي الله عنه - : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " 
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008798لا ينكح المحرم ، ولا ينكح ولا يخطب   "   . 
وحدثنا 
 nindex.php?page=showalam&ids=12508أبو بكر بن أبي شيبة  ، 
 nindex.php?page=showalam&ids=16696وعمرو الناقد  ، 
 nindex.php?page=showalam&ids=11997وزهير بن حرب    . جميعا عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=16008ابن عيينة    . قال 
زهير    : حدثنا 
 nindex.php?page=showalam&ids=16008سفيان بن عيينة  عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=12349أيوب بن موسى  ، عن 
نبيه بن وهب  ، عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=11795أبان بن عثمان  ، عن 
عثمان  يبلغ به النبي - صلى الله عليه وسلم - قال " 
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008799المحرم لا ينكح ولا يخطب   " . 
حدثنا 
عبد الملك بن شعيب بن الليث  ، حدثني أبي عن جدي ، حدثني 
خالد بن يزيد  ، حدثني 
 nindex.php?page=showalam&ids=15987سعيد بن أبي هلال  ، عن 
نبيه بن وهب    : أن 
 nindex.php?page=showalam&ids=16679عمر بن عبيد الله بن معمر  أراد   
[ ص: 19 ] أن ينكح ابنه 
طلحة  بنت شيبة بن جبير  في الحج ، 
 nindex.php?page=showalam&ids=11795وأبان بن عثمان  يومئذ أمير الحج ، فأرسل إلى 
أبان    : إني أردت أن أنكح 
طلحة بن عمر    . فأحب أن تحضر ذلك ، فقال له أبان : ألا أراك عراقيا جافيا ! إني سمعت 
 nindex.php?page=showalam&ids=7عثمان بن عفان  يقول : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " 
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008800لا ينكح المحرم   "   . 
وحدثنا 
 nindex.php?page=showalam&ids=12508أبو بكر بن أبي شيبة  ، 
 nindex.php?page=showalam&ids=13608وابن نمير  ، 
 nindex.php?page=showalam&ids=12418وإسحاق الحنظلي  جميعا ، عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=16008ابن عيينة  ، قال 
 nindex.php?page=showalam&ids=13608ابن نمير    : حدثنا 
 nindex.php?page=showalam&ids=16008سفيان بن عيينة  ، عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=16705عمرو بن دينار  ، عن 
أبي الشعثاء    : أن 
 nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس  أخبره : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - تزوج 
ميمونة  وهو محرم ، زاد 
 nindex.php?page=showalam&ids=13608ابن نمير    : فحدثت به 
 nindex.php?page=showalam&ids=12300الزهري  فقال : أخبرني 
 nindex.php?page=showalam&ids=17354يزيد بن الأصم    : أنه نكحها وهو حلال ، وحدثنا 
يحيى بن يحيى  ، أخبرنا 
داود بن عبد الرحمن  ، عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=16705عمرو بن دينار  ، عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=11867جابر بن زيد أبي الشعثاء  ، 
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008801عن  nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس  أنه قال : تزوج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ميمونة  وهو محرم   . 
حدثنا 
 nindex.php?page=showalam&ids=12508أبو بكر بن أبي شيبة  ، حدثنا 
 nindex.php?page=showalam&ids=17294يحيى بن آدم  ، حدثنا 
 nindex.php?page=showalam&ids=15627جرير بن حازم  ، حدثنا 
أبو فزارة  ، عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=17354يزيد بن الأصم  ، حدثتني 
 nindex.php?page=showalam&ids=156ميمونة بنت الحارث    : 
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008802أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تزوجها وهو حلال . قال : وكانت خالتي وخالة  nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس    . انتهى من صحيح 
مسلم    . وحديث 
عثمان  المذكور في صحيح 
مسلم  رواه أيضا 
مالك  ، 
وأحمد  ، وأصحاب السنن . وقال 
 nindex.php?page=showalam&ids=13948أبو عيسى الترمذي  بعد أن ساقه : حديث 
عثمان  حديث حسن صحيح ، والعمل على هذا عند بعض أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - منهم : 
 nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب  ، 
 nindex.php?page=showalam&ids=8وعلي بن أبي طالب  ، 
 nindex.php?page=showalam&ids=12وابن عمر  ، وهو قول بعض فقهاء التابعين ، وبه يقول 
مالك  ، 
 nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي  ، 
وأحمد  ، 
وإسحاق  ، لا يرون أن يتزوج المحرم . وقالوا : إن نكح فنكاحه باطل . وحديث 
 nindex.php?page=showalam&ids=17354يزيد بن الأصم  عن 
ميمونة  المذكور في صحيح 
مسلم    : " 
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008803أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نكحها وهو حلال   " رواه أيضا 
الترمذي  ، 
وأبو داود  ، 
 nindex.php?page=showalam&ids=13478وابن ماجه  ، 
 nindex.php?page=showalam&ids=12251والإمام أحمد  ، وقال 
الترمذي    : حدثنا 
قتيبة  ، ثنا 
 nindex.php?page=showalam&ids=15743حماد بن زيد  عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=17096مطر الوراق  ، عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=15885ربيعة بن أبي عبد الرحمن  ، عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=16049سليمان بن يسار  ، عن 
أبي رافع  قال : " 
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008804تزوج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ميمونة  ، وهو حلال وبنى بها وهو حلال وكنت أنا الرسول فيما بينهما   " . قال 
أبو عيسى    : هذا حديث حسن ، لا نعلم أحدا أسنده غير 
 nindex.php?page=showalam&ids=15743حماد بن زيد  عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=17096مطر الوراق  ، عن 
ربيعة    . وروى 
 nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك بن أنس  عن 
ربيعة  ، عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=16049سليمان بن يسار    : " 
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008805أن النبي - صلى الله عليه وسلم - تزوج ميمونة  وهو حلال   " رواه 
مالك  مرسلا ، ورواه أيضا 
 nindex.php?page=showalam&ids=16036سليمان بن بلال  عن 
ربيعة  مرسلا . انتهى محل الغرض منه . وحديث 
أبي رافع  هذا رواه أيضا 
 nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد  ، وروى 
مالك    - رحمه الله - في موطئه ، عن 
نافع  أن 
عبد الله بن عمر    - رضي الله عنهما - كان يقول : لا ينكح المحرم ، ولا يخطب على نفسه ، ولا على غيره   . وفي " الموطأ " أيضا ، عن 
مالك  أنه بلغه : أن 
سعيد بن   [ ص: 20 ] المسيب   nindex.php?page=showalam&ids=15959وسالم بن عبد الله  ، 
 nindex.php?page=showalam&ids=16049وسليمان بن يسار  سئلوا عن نكاح المحرم ؟ فقالوا : لا ينكح المحرم ، ولا ينكح   . وفي " الموطأ " أيضا عن 
مالك  ، عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=15855داود بن الحصين    : أن 
أبا غطفان بن طريف المري  ، أخبره أن أباه 
طريفا  ، تزوج امرأة وهو محرم . فرد 
 nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب    - رضي الله عنه - نكاحه . وحديث 
أبي غطفان بن طريف  ، هذا رواه أيضا 
 nindex.php?page=showalam&ids=14269الدارقطني  ، وروى 
 nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد  عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر    - رضي الله عنهما - أنه سئل عن 
امرأة أراد أن يتزوجها رجل ، وهو خارج من مكة  ، فأراد أن يعتمر أو يحج ؟ فقال : لا تتزوجها ، وأنت محرم ، نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عنه ، انتهى منه بواسطة نقل 
المجد  في " المنتقى " . 
فهذا هو حاصل أدلة من قال : بأن الإحرام مانع من عقد النكاح ، وأما الذين قالوا : بأن الإحرام لا يمنع عقد النكاح ، فقد استدلوا بما رواه الشيخان في صحيحيهما ، وأصحاب السنن ، 
 nindex.php?page=showalam&ids=12251والإمام أحمد  عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس    - رضي الله عنهما - " 
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008806أن النبي - صلى الله عليه وسلم - تزوج ميمونة  وهو محرم   " ، 
 nindex.php?page=showalam&ids=12070وللبخاري    : " 
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008807تزوج النبي - صلى الله عليه وسلم - ميمونة  وهو محرم ، وبنى بها وهو حلال وماتت بسرف    " ، ا هـ . 
قالوا : فهذا الحديث المتفق عليه ، عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس    - رضي الله عنهما - فيه التصريح بأنه - صلى الله عليه وسلم - تزوج 
ميمونة  وهو محرم ، والله تعالى يقول : 
لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة   [ 33 \ 21 ] وهو المشرع لأمته بأقواله ، وأفعاله ، وتقريره صلوات الله وسلامه عليه ، فلو كان تزويج المحرم حراما لما فعله - صلى الله عليه وسلم - واحتج الجمهور القائلون بمنع نكاح المحرم بالأحاديث المتقدمة ، قالوا : ثبت في صحيح 
مسلم  من حديث 
 nindex.php?page=showalam&ids=7عثمان بن عفان    - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " 
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008798لا ينكح المحرم ، ولا ينكح ، ولا يخطب " وصيغة النفي في قوله : " لا ينكح ، ولا ينكح ، ولا يخطب   " يراد بها النهي ; كقوله تعالى : 
فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج أي : لا ترفثوا ، ولا تفسقوا ، ولا تجادلوا في الحج ، وإيراد الإنشاء بصيغة الخبر أبلغ من إيراده بصيغة الإنشاء ; كما هو مقرر في المعاني . 
والحديث دليل صحيح من قول النبي - صلى الله عليه وسلم - على منع نكاح المحرم وهو معتضد بما ذكرنا معه من الأحاديث ، والآثار الدالة على منع نكاح المحرم . وأجاب الجمهور القائلون : يمنع إحرام أحد الزوجين أو الولي عقد النكاح عن حديث 
 nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس  المذكور ، بأجوبة .  
[ ص: 21 ] واعلم أولا : أن المقرر في الأصول : أنه إذا اختلف نصان وجب الجمع بينهما إن أمكن ، وإن لم يمكن وجب الترجيح . 
وإذا عرفت هذه المقدمة فاعلم أن من أجوبتهم عن حديث 
 nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس  المذكور ، أنه يمكن الجمع بينه وبين حديث 
ميمونة  ، 
وأبي رافع    : " 
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008808أنه تزوجها وهو حلال   " ووجه الجمع في ذلك ، هو أن يفسر قول 
 nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس    : أنه تزوجها وهو محرم بأن المراد بكونه محرما في الشهر الحرام ، وقد تزوجها - صلى الله عليه وسلم - في الشهر الحرام ، وهو ذو القعدة عام سبع في عمرة القضاء ، كما ذكره 
 nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري    - رحمه الله - في صحيحه في كتاب : " المغازي في باب عمرة القضاء " . 
قال بعد أن ساق حديث 
 nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس  المذكور ، وزاد 
 nindex.php?page=showalam&ids=12563ابن إسحاق    : حدثني 
 nindex.php?page=showalam&ids=16406ابن أبي نجيح  ، 
وأبان بن صالح  ، عن 
عطاء  ، 
ومجاهد  ، عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس  قال : " 
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008809تزوج النبي - صلى الله عليه وسلم - ميمونة  في عمرة القضاء   " انتهى منه . ومعلوم أن عمرة القضاء كانت في الشهر الحرام ، وهو ذو القعدة من سنة سبع ، ولا خلاف بين أهل اللسان العربي في إطلاق الإحرام على الدخول في حرمة لا تهتك كالدخول في الشهر الحرام ، أو في الحرم أو غير ذلك . 
وقال 
ابن منظور  في " اللسان " : وأحرم الرجل : إذا دخل في حرمة لا تهتك . ومن إطلاق الإحرام على الدخول في الشهر الحرام ، وقد أنشده في اللسان شاهدا لذلك - قول 
زهير    : 
جعلن القنان عن يمين وحزنه وكم بالقنان من محل ومحرم 
وقول الآخر : 
وإذ فتك النعمان  بالناس محرما     فمليء من عوف بن كعب  سلاسله 
وقول 
الراعي    : 
قتلوا ابن عفان الخليفة  محرما     ودعا فلم أر مثله مقتولا 
فتفرقت من بعد ذاك عصاهم     شققا وأصبح سيفهم مسلولا 
ويروى : فلم أر مثله مخذولا ، فقوله : قتلوا 
ابن عفان  الخليفة محرما : أي في الشهر الحرام وهو ذو الحجة ، وقيل المعنى : أنهم قتلوه في حرم 
المدينة    ; لأن المحرم يطلق لغة على كل داخل في حرمة لا تهتك ، سواء كانت زمانية ، أو مكانية أو غير ذلك . 
وقال بعض أهل اللغة ، منهم 
 nindex.php?page=showalam&ids=13721الأصمعي    : إن معنى قول الراعي : محرما في بيته   
[ ص: 22 ] المذكور كونه في حرمة الإسلام ، وذمته التي يجب حفظها ، ويحرم انتهاكها وأنه لم يحل من نفسه شيئا يستوجب به القتل ، ومن إطلاق المحرم على هذا المعنى الأخير ، قول 
عدي بن  زيد : 
قتلوا  nindex.php?page=showalam&ids=16848كسرى  بليل محرما     غادروه لم يمتع بكفن 
يريد قتل 
شيرويه  أباه 
أبرويز بن هرمز  ، مع أن له حرمة العهد الذي عاهدوه به ، حين ملكوه عليهم ، وحرمة الأبوة ولم يفعل لهم شيئا يستوجب به منهم القتل . وذلك هو مراده بقوله : محرما ، وعلى تفسير قول 
 nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس    : وهو محرم بما ذكر فلا تعارض بين حديث 
 nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس  ، وبين حديث 
ميمونة  وأبي رافع  ، ولو فرضنا أن تفسير حديث 
 nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس  بما ذكر ليس بمتعين وليس بظاهر كل الظهور ، وأن التعارض بين الحديثين باق ، والمصير إلى الترجيح إذا واجب . وحديث 
ميمونة  وأبي رافع  أرجح من حديث 
 nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس  ، لأن 
ميمونة  هي صاحبة القصة ، ولا شك أن صاحب القصة أدرى بما جرى له في نفسه من غيره . وقد تقرر في الأصول أن خبر صاحب الواقعة المروية مقدم على خبر غيره ، لأنه أعرف بالحال من غيره ، والأصوليون يمثلون له بحديث 
ميمونة  المذكور ، مع حديث 
 nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس    . وإليه أشار في " مراقي السعود " في مبحث الترجيح ، باعتبار حال الراوي بقوله عاطفا على ما ترجح به رواية أحد الراويين على رواية الآخر : 
أو راويا باللفظ أو ذا الواقع     وكون من رواه غير مانع 
ومحل الشاهد منه قوله : أو ذا الواقع : أي يقدم خبر ذي الواقع المروي على خبر غيره كخبر 
ميمونة  ، مع خبر 
 nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس  ومما يرجح به حديث 
أبي رافع  على حديث 
 nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس    : أن 
أبا رافع  هو رسوله إليها يخطبها عليه ، فهو مباشر للواقعة ، 
 nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس  ليس كذلك ، وقد تقرر في الأصول ترجيح خبر الراوي المباشر لما روى على خبر غيره ; لأن المباشر لما روى أعرف بحاله من غيره ، والأصوليون يمثلون له بخبر 
أبي رافع  المذكور : أنه - صلى الله عليه وسلم - تزوج 
ميمونة  وهو حلال ، قال : وكنت الرسول فيما بينهما ، مع حديث 
 nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس  المذكور : " 
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008810أنه تزوجها وهو محرم   " . 
ومما يرجح به حديث 
ميمونة  ، وحديث 
أبي رافع  معا ، على حديث 
 nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس    : أن 
ميمونة  ، 
وأبا رافع  كانا بالغين وقت تحمل الحديث المذكور ، 
 nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس  ليس ببالغ وقت التحمل . وقد تقرر في الأصول ترجيح خبر الراوي المتحمل بعد البلوغ على المتحمل قبله ; لأن البالغ أضبط من الصبي لما تحمل ، وللاختلاف في قبول   
[ ص: 23 ] خبر المتحمل ، قبل البلوغ من الاتفاق على قبول خبر المتحمل بعد البلوغ ، وإن كان الراجح قبول خبر المتحمل قبل البلوغ إذا كان الأداء بعد البلوغ ; لأن المتفق عليه أرجح من المختلف فيه ، وإلى تقديم خبر الراوي المباشر على خبر غيره ، وتقديم خبر المتحمل بعد البلوغ على خبر المتحمل قبله . 
أشار في " مراقي السعود " في مبحث الترجيح باعتبار حال الراوي ، بقوله عاطفا على ما يرجح أحد الخبرين : 
أو كونه مباشرا أو كلفا     أو غير ذي اسمين للأمن من خفا 
فإن قيل : يرجح حديث 
 nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس  ، بأنه اتفق عليه الشيخان في صحيحيهما . ومعلوم أن ما اتفق عليه 
مسلم   nindex.php?page=showalam&ids=12070والبخاري  ، أرجح مما انفرد به 
مسلم  ، وهو حديث 
ميمونة  ، وأرجح مما أخرجه 
الترمذي  وأحمد  ، وهو حديث 
أبي رافع    . 
فالجواب : أن غاية ما يفيده اتفاق الشيخين صحة الحديث ، إلى 
 nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس  ، ونحن لو جزمنا بأنه قاله قطعا لم يمنع ذلك من ترجيح حديث 
ميمونة  وأبي رافع  عليه ; لأنهما أعلم بحال الواقعة منه ; لأن 
ميمونة  صاحبة الواقعة ، 
وأبو رافع  هو الرسول المباشر لذلك . فلنفرض أن 
 nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس  قال ذلك ، وأن 
أبا رافع  وميمونة  خلفاه ، وهما أعلم بالحال منه ; لأن لكل منهما تعلقا خاصا بنفس الواقعة ليس 
 nindex.php?page=showalam&ids=11لابن عباس  مثله . 
ومن المرجحات التي رجح بها بعض العلماء حديث تزوجه - صلى الله عليه وسلم - 
ميمونة  ، وهو حلال على حديث تزوجه إياها ، وهو محرم ، أن الأول : رواه 
أبو رافع  ، 
وميمونة    . والثاني : رواه 
 nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس  وحده ، وما رواه الاثنان أرجح مما رواه الواحد كما هو مقرر في الأصول ، وإليه الإشارة بقول صاحب " مراقي السعود " في مبحث الترجيح باعتبار حال المروي : 
وكثرة الدليل والرواية     مرجح لدى ذوي الدراية 
كما تقدم في سورة البقرة . ولكن هذا الترجيح المذكور يرده ما ذكره 
ابن حجر  في " فتح الباري " ، ولفظه : فالمشهور عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس    : " 
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008811أن النبي - صلى الله عليه وسلم - تزوجها وهو محرم   " وصح نحوه عن 
عائشة   nindex.php?page=showalam&ids=3وأبي هريرة    . انتهى منه . 
وعلى تقدير صحة ما ذكره 
ابن حجر  فمن روى أن تزويجها في حالة الإحرام - أكثر .  
[ ص: 24 ] فإن قيل : يرجح حديثهم إذا بالكثرة . 
فالجواب : أنهم وإن كثروا 
فميمونة  ، 
وأبو رافع  أعلم منهم بالواقعة كما تقدم ، والمرجحات يرجح بعضها على بعض ، وضابط ذلك عند الأصوليين هو قوة الظن ، ومعلوم أن ما أخبرت به 
ميمونة    - رضي الله عنها - عن نفسها ، وأخبر به الرسول بينها ، وبين زوجها - صلى الله عليه وسلم - الذي هو 
أبو رافع  أقوى في ظن الصدق مما أخبر به غيرهما ، وأشار في " مراقي السعود " إلى ما ذكرنا بقوله : 
قطب رحاها قوة المظنه     فهي لدى تعارض مئنه 
ومن أقوى الأدلة الدالة على أن حديث 
 nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس  ، لا تنهض به الحجة ، على جواز عقد النكاح في حال الإحرام هو أنا لو سلمنا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - تزوج 
ميمونة  ، وهو محرم ، لم تكن في ذلك حجة على جواز ذلك بالنسبة إلى أمته - صلى الله عليه وسلم - ; لأنه ثبت عنه في صحيح 
مسلم  وغيره من حديث 
 nindex.php?page=showalam&ids=7عثمان بن عفان    - رضي الله عنه - ما يدل على منع النكاح في حال الإحرام وهو عام لجميع الأمة . والأظهر دخوله هو - صلى الله عليه وسلم - في ذلك العموم ، فإذا فعل فعلا يخالف ذلك العموم المنصوص عليه بالقول ، دل على أن ذلك الفعل خاص به - صلى الله عليه وسلم - لتحتم تخصيص ذلك العموم القولي بذلك الفعل . فيكون خاصا به - صلى الله عليه وسلم - . 
وقد تقرر في الأصول : أن النص القولي العام الذي يشمل النبي بظاهر عمومه لا بنص صريح ، إذا فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - فعلا يخالفه كان ذلك الفعل مخصصا لذلك العموم القولي ، فيكون ذلك الفعل خاصا به - صلى الله عليه وسلم - . وقد أشار صاحب " مراقي السعود " إلى ذلك في كتاب السنة بقوله : 
في حقه القول بفعل خصا     إن يك فيه القول ليس نصا 
فإن قيل : لا حجة في حديث 
عثمان  المذكور في صحيح 
مسلم  ، على منع عقد النكاح في حال الإحرام ; لأن المراد بالنكاح فيه وطء الزوجة ، وهو حرام في حال الإحرام إجماعا ، وليس المراد به العقد . 
فالجواب من أوجه : 
الأول : أن في نفس الحديث قرينتين دالتين على أن المراد به عقد النكاح ، لا الوطء . الأولى : أنه - صلى الله عليه وسلم - قال في الحديث المذكور : " 
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008812لا ينكح المحرم ، ولا ينكح   " فقوله : " 
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008813ولا ينكح   " بضم الياء ، دليل على أن المراد : لا يزوج ، ولا يمكن أن يكون المراد بذلك   
[ ص: 25 ] الوطء ; لأن الولي إذا زوج قبل الإحرام ، وطلب الزوج وطء زوجه في حال إحرام وليها ، فعليه أن يمكنه من ذلك إجماعا ، فدل ذلك على أن المراد بقوله : " ولا ينكح " ليس الوطء بل التزويج ، كما هو ظاهر القرينة الثانية : أنه - صلى الله عليه وسلم - قال أيضا : " ولا يخطب " ، والمراد خطبة المرأة التي هي طلب تزويجها ، وذلك دليل على أن المراد العقد ، لأنه هو الذي يطلب بالخطبة ، وليس من شأن وطء الزوجة أن يطلب بخطبة كما هو معلوم . 
الوجه الثاني : أن 
 nindex.php?page=showalam&ids=11795أبان بن عثمان  راوي الحديث ، وهو من أعلم الناس بمعناه ، فسره بأن المراد بقوله : " ولا ينكح " : أي لا يزوج ; لأن السبب الذي أورد فيه الحديث ، هو أنه أرسل له 
عمر بن عبيد الله  حين أراد أن يزوج ابنه 
طلحة بن عمر  ابنة شيبة بن جبير  ، فأنكر عليه ذلك أشد الإنكار وبين له أن حديث 
عثمان  عن النبي - صلى الله عليه وسلم - دليل على منع عقد النكاح في حال الإحرام ، ولم يعلم أنه أنكر عليه أحد تفسيره الحديث ، بأن المراد بالنكاح فيه العقد لا الوطء . 
الوجه الثالث : هو ما قدمنا من الأحاديث ، والآثار الدالة على منع التزويج في حال الإحرام ، كحديث 
 nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر  ، عند 
أحمد    : أنه سئل عن امرأة أراد أن يتزوجها رجل ، وهو خارج من 
مكة    : فأراد أن يعتمر أو يحج ، قال : لا تتزوجها وأنت محرم ، نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عنه ، ا هـ . 
فتراه صرح بأن النكاح المنهي عنه في الإحرام التزويج . 
وقال 
الشوكاني  في " نيل الأوطار " في حديث 
 nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر  هذا : في إسناده 
أيوب بن عيينة  ، وهو ضعيف وقد وثق ، وكالأثر الذي رواه 
مالك  والبيهقي   nindex.php?page=showalam&ids=14269والدارقطني  ، عن 
أبي غطفان بن طريف    : أن أباه 
طريفا  تزوج امرأة ، وهو محرم فرد 
 nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب  نكاحه ، ا هـ . 
وذلك دليل على أن 
عمر  يفسر النكاح الممنوع في الإحرام بالتزويج ولا يخصه بالوطء . وقد روى 
البيهقي  في " السنن الكبرى " بإسناده عن 
الحسن  ، عن 
علي  قال : من تزوج وهو محرم نزعنا منه امرأته   . 
وروى بإسناده أيضا عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=15639جعفر بن محمد  عن أبيه : أن 
عليا    - رضي الله عنه - قال : لا ينكح المحرم ، فإن نكح رد نكاحه   . وروي بإسناده أيضا عن 
شوذب مولى زيد بن ثابت    : أنه تزوج ، وهو محرم ، ففرق بينهما 
 nindex.php?page=showalam&ids=47زيد بن ثابت    .  
[ ص: 26 ] قال : وروينا في ذلك عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=12عبد الله بن عمر بن الخطاب    - رضي الله عنهما - وروي بإسناده أيضا عن 
قدامة بن موسى  قال : تزوجت ، وأنا محرم فسألت 
 nindex.php?page=showalam&ids=15990سعيد بن المسيب  فقال : يفرق بينهما ، وروي بإسناده أيضا عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=15990سعيد بن المسيب    : أن رجلا تزوج ، وهو محرم فأجمع 
أهل المدينة   على أن يفرق بينهما   . 
قال مقيده - عفا الله عنه وغفر له - : الذي يظهر لي رجحانه بالدليل ، هو أن إحرام أحد الزوجين أو الولي مانع من عقد النكاح ; لحديث 
عثمان  الثابت في صحيح 
مسلم  ، ولما قدمنا من الآثار الدالة على ذلك ، ولم يثبت في كتاب الله ، ولا سنة نبيه - صلى الله عليه وسلم - شيء يعارض ذلك الحديث . وحديث 
 nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس  معارض بحديث 
ميمونة  ، 
وأبي رافع  ، وقد قدمنا لك أوجه ترجيحهما عليه . ولو فرضنا أن حديث 
 nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس  ، لم يعارضه معارض ، وأن النبي - صلى الله عليه وسلم - تزوج 
ميمونة  ، وهو محرم . فهذا فعل خاص لا يعارض عموما قوليا لوجوب تخصيص العموم القولي المذكور بذلك الفعل كما تقدم إيضاحه . 
أما ما رواه 
أبو داود  في سننه : حدثنا 
ابن بشار  ، ثنا 
 nindex.php?page=showalam&ids=16349عبد الرحمن بن مهدي  ، ثنا 
سفيان  ، عن 
إسماعيل بن أمية  ، عن رجل ، عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=15990سعيد بن المسيب  قال : وهم 
 nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس  في تزويج 
ميمونة  وهو محرم ، فلا تنهض به حجة على توهيم 
 nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس    ; لأن الراوي عن 
سعيد  ، لم تعرف عينه كما ترى ، وما احتج به كل واحد من المتنازعين في هذه المسألة من الأقيسة كقياس من أجاز النكاح في الإحرام ، النكاح على شراء الأمة في الإحرام لقصد الوطء ، وكقياس من منعه النكاح في الإحرام على نكاح المعتدة بجامع أن كلا منهما لا يعقبه جواز التلذذ ; كالوطء والقبلة تركناه وتركنا مناقشته ، لأن هذه المسألة من المسائل المنصوصة فلا حاجة فيها إلى القياس ، مع أن كل الأقيسة التي استدل بها الطرفان لا تنهض بها حجة .