الفرع الرابع عشر في 
حكم قص المحرم أظافره أو بعضها 
وقد اختلف أهل العلم في ذلك ، فالصحيح من مذهب 
مالك    : أنه إن قلم ظفرين فصاعدا : لزمته الفدية مطلقا ، وإن قلم ظفرا واحدا ، لإماطة أذى عنه : لزمته الفدية أيضا ، وإن قلمه لا لإماطة أذى : لزمه إطعام حفنة بيد واحدة . 
قال الشيخ 
الحطاب  في كلامه على قول 
خليل  في مختصره : وفي الظفر الواحد لا لإماطة الأذى حفنة ، ما نصه : أما لو قلم ظفرين فلم أر في 
ابن عبد السلام  والتوضيح ، 
وابن فرحون  في شرحه ، لا ومناسكه 
 nindex.php?page=showalam&ids=14120وابن عرفة  ، 
والتادلي  ، 
والطراز  وغيرهم خلافا في لزوم الفدية ، ولم يفصلوا كما فصلوا في الظفر الواحد ، والله أعلم . انتهى منه . 
ولا ينبغي أن يختلف في أن 
الظفر إذا انكسر جاز أخذه ، ولا شيء فيه ; لأنه بعد الكسر لا ينمو فهو كحطب شجر الحرم . والله أعلم . 
ومذهب 
 nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي  وأصحابه : أن 
حكم الأظفار كحكم الشعر ، فإن قلم ثلاثة أظفار فصاعدا ، فعليه الفدية كاملة ، وأظفار اليد والرجل في ذلك سواء ، وإن قلم ظفرا واحدا أو ظفرين ففيه الأقوال الأربعة فيمن حلق شعرة واحدة أو شعرتين ، وقد قدمنا أن أصحها عندهم أن في الشعرة مدا ، وفي الشعرتين : مدين ، وباقي الأقوال المذكورة موضح قريبا ومذهب الإمام 
أحمد  في الأظفار كمذهبه في الشعر ، ففي أربعة أظفار ، أو ثلاثة على الرواية الأخرى : فدية كاملة ، وحكم الظفر الواحد كحكم الشعرة الواحدة ، وحكم الظفرين كحكم الشعرتين ، وقد تقدم موضحا قريبا . 
ومذهب 
أبي حنيفة  في هذه المسألة : أنه 
لو قص أظفار يديه ورجليه جميعا بمجلس واحد ، أو قص أظفار يد واحدة كاملة في مجلس ، أو رجل كذلك لزمه الدم ، وإن قطع مثلا خمسة أظفار ثلاثة من يد واثنان من رجل ، أو يد أخرى ، أو عكس ذلك : فعليه الصدقة ، وهي نصف صاع من بر عن كل ظفر ، والمعروف عند الحنفية في باب الفدية : أن ما كان لعذر ففيه فدية الأذى المذكورة في الآية ، وما كان لغير عذر ففيه الدم ، كما تقدم . أما لو   
[ ص: 47 ] قص أظفار إحدى يديه ، أو رجليه في مجلس ، والأخرى في مجلس آخر ، فعند 
أبي حنيفة  ، 
وأبي يوسف    : يتعدد الدم ، حتى إنه يمكن أن تلزمه أربعة دماء للرجلين واليدين ، إذا كانت كل واحدة في مجلس ، وعند 
محمد    : لا يلزمه إلا دم واحد ، ولو تعددت المجالس إلا إذا تخللت الكفارة بينهما ، وقد علمت أنه لو قص أظافر أكثر من خمسة متفرقة من الرجلين واليدين : ليس عليه إلا الصدقة عندهم . 
وقال 
زفر    : يجب الدم بقص ثلاثة أظفار من اليد أو من الرجل ، وهو قول 
أبي حنيفة  الأول ، بناء على اعتبار الأكثر ، والثلاثة أكثر من الباقي بعدها بالنسبة إلى الخمسة . 
وقال 
 nindex.php?page=showalam&ids=13439ابن قدامة  في " المغني " : قال 
ابن المنذر    : وأجمع أهل العلم على أن 
المحرم ممنوع من أخذ أظفاره ، وعليه الفدية بأخذها في قول أكثرهم ، وهو قول 
حماد  ، 
ومالك  ، 
 nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي  ، 
 nindex.php?page=showalam&ids=11956وأبي ثور  ، وأصحاب الرأي . وروي ذلك عن 
عطاء  ، وعنه لا فدية عليه ; لأن الشرع لم يرد فيه بفدية ، ولم يعتبر 
ابن المنذر  في حكايته الإجماع قول 
 nindex.php?page=showalam&ids=15858داود الظاهري    : إن المحرم له أن يقص أظفاره ، ولا شيء عليه لعدم النص ، وفي اعتبار 
داود  في الإجماع خلاف معروف ، والأظهر عند الأصوليين اعتباره في الإجماع . والله تعالى أعلم . 
ثم قال صاحب " المغني " : ولنا أنه أزال ما منع إزالته لأجل الترفه ، فوجبت عليه الفدية كحلق الشعر ، وعدم النص فيه لا يمنع قياسه . كشعر البدن مع شعر الرأس ، 
والحكم في فدية الأظفار كالحكم في فدية الشعر سواء ، في أربعة منها دم . وعنه في ثلاثة دم ، وفي الظفر الواحد مد من طعام وفي الظفرين : مدان على ما ذكرنا من التفصيل والاختلاف فيه . وقول 
 nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي   nindex.php?page=showalam&ids=11956وأبي ثور  كذلك انتهى محل الغرض منه . 
وإذا عرفت مذاهب الأئمة في حكم قص المحرم أظفاره ، وما يلزمه في ذلك فاعلم أني لا أعلم لأقوالهم مستندا من النصوص ، إلا ما ذكرنا عن 
ابن المنذر  ، من الإجماع على أن المحرم ممنوع من أخذ أظفاره ، أما لزوم الفدية ، فلم يدع فيه إجماعا ، وإلا ما جاء عن بعض السلف من الصحابة والتابعين ، من تفسير آية الحج ، فإنه يدل على منع المحرم من أخذ أظفاره كمنعه من حلق شعره حتى يبلغ الهدي محله ، والآية المذكورة هي قوله تعالى : 
ثم ليقضوا تفثهم الآية [ 22 \ 29 ] . 
قال صاحب " الدر المنثور في التفسير بالمأثور " : وأخرج 
 nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير  ، 
وابن المنذر  ، 
 nindex.php?page=showalam&ids=16328وابن أبي حاتم  ، عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس    - رضي الله عنهما - في قوله : 
ثم ليقضوا تفثهم قال : " يعني   
[ ص: 48 ] بالتفث : وضع إحرامهم من حلق الرأس ، ولبس الثياب ، وقص الأظفار ، ونحو ذلك " . 
وقال أيضا : وأخرج 
 nindex.php?page=showalam&ids=12508ابن أبي شيبة  ، عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=14980محمد بن كعب  قال : التفث : حلق العانة ونتف الإبط ، والأخذ من الشارب ، وتقليم الأظفار ، ا هـ . ونحو هذا كثير في كلام المفسرين وإن فسر بعضهم الآية بغيره . 
وعلى التفسير المذكور فالآية تدل على : أن الأظفار كالشعر بالنسبة إلى المحرم ، ولا سيما أنها معطوفة بـ " ثم " على نحر الهدايا ; لأن الله تعالى قال : 
ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام والمراد بذكر اسمه على ما رزقهم من بهيمة الأنعام التسمية عند نحر الهدايا والضحايا ، ثم رتب على ذلك قوله : 
ثم ليقضوا تفثهم فدل على أن الحلق وقص الأظافر ونحو ذلك ينبغي أن يكون بعد النحر كما قال تعالى : 
ولا تحلقوا رءوسكم حتى يبلغ الهدي محله   [ 2 \ 196 ] ، وقد بين النبي - صلى الله عليه وسلم - : أن من حلق قبل أن ينحر لا شيء عليه . كما بيناه موضحا في سورة البقرة في الكلام على قوله : 
فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي ، ويؤيد التفسير المذكور الدال على ما ذكرنا كلام أهل اللغة . 
قال 
الجوهري  في صحاحه : التفث في المناسك : ما كان من نحو قص الأظفار ، والشارب وحلق الرأس ، والعانة ، ورمي الجمار ، ونحر البدن ، وأشباه ذلك . قال 
أبو عبيدة    : ولم يجئ فيه شعر يحتج به انتهى منه . 
قال صاحب " القاموس " : التفث محركة في المناسك : الشعث ، وما كان من نحو قص الأظفار ، والشارب ، وحلق العانة ، وغير ذلك . وككتف الشعث والمغبر ، ا هـ . 
وقال صاحب " اللسان " : التفث : نتف الشعر وقص الأظفار ، إلخ . 
وقال 
أبو عبد الله القرطبي  في تفسيره في الكلام على معنى التفث : قال 
ابن العربي    : وهذه اللفظة غريبة لم يجد أهل العربية فيها شعرا ، ولا أحاطوا بها خبرا ، لكني تتبعت التفث لغة فرأيت 
 nindex.php?page=showalam&ids=12078أبا عبيدة معمر بن المثنى  قال : إنه قص الأظفار وأخذ الشارب ، وكل ما يحرم على المحرم إلا النكاح ، ولم يجئ فيه شعر يحتج به . وقال صاحب " العين " : التفث : هو الرمي والحلق ، والتقصير ، والذبح ، وقص الأظفار ، والشارب ، والإبط . وذكر 
 nindex.php?page=showalam&ids=14416الزجاج   nindex.php?page=showalam&ids=14888والفراء  نحوه ، ولا أراهم أخذوه إلا من قول العلماء ، وقال 
قطرب    : تفث الرجل : إذا كثر وسخه . قال 
 nindex.php?page=showalam&ids=12467أمية بن أبي الصلت    :  
[ ص: 49 ] حلقوا رءوسهم لم يحلقوا تفثا ولم يسلوا لهم قملا وصئبانا 
وما أشار إليه 
قطرب  هو الذي قاله 
ابن وهب  عن 
مالك  ، وهو الصحيح في التفث ، وهذه صورة إلقاء التفث لغة ، إلى أن قال : قلت : ما حكاه عن 
قطرب  ، وذكر من الشعر قد ذكره في تفسيره 
الماوردي  ، وذكر بيتا آخر فقال : قضوا تفثا ونحبا ثم ساروا إلى 
نجد  وما انتظروا عليا 
وقال 
الثعلبي    : وأصل التفث في اللغة : الوسخ ، تقول العرب للرجل تستقذره : ما أتفثك أي : ما أوسخك وأقذرك . 
قال 
 nindex.php?page=showalam&ids=12467أمية بن أبي الصلت    : 
ساخين آباطهم لم يقذفوا تفثا     وينزعوا عنهم قملا وصئبانا 
انتهى من 
القرطبي    . 
والظاهر أن قوله : ساخين آباطهم . . البيت ، من قولهم : سخا يسخو سخوا إذا سكن من حركته : يعني : أنهم ساكنون عن الحركة إلى آباطهم بالحلق ، بدليل قوله بعده : 
  . . . لم يقذفوا تفثا     وينزعوا عنهم قملا وصئبانا