صفحة جزء
قوله تعالى : ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت فقال لهم الله موتوا ثم أحياهم ، المقصود من هذه الآية الكريمة ، تشجيع المؤمنين على القتال بإعلامهم بأن الفرار من الموت لا ينجي ، فإذا علم الإنسان أن فراره من الموت أو القتل لا ينجيه ، هانت عليه مبارزة الأقران ، والتقدم في الميدان . وقد أشار تعالى أن هذا هو مراده بالآية [ ص: 153 ] حيث أتبعها بقوله : وقاتلوا في سبيل الله الآية [ 2 \ 244 ] ، وصرح بما أشار إليه هنا في قوله : قل لن ينفعكم الفرار إن فررتم من الموت أو القتل وإذا لا تمتعون إلا قليلا [ 33 \ 16 ] ، وهذه أعظم آية في التشجيع على القتال ; لأنها تبين أن الفرار من القتل لا ينجي منه ، ولو فرض نجاته منه فهو ميت عن قريب ، كما قال قعنب ابن أم صاحب : [ المتقارب ]

إذا أنت لاقيت في نجدة فلا تتهيبك أن تقدما     فإن المنية من يخشها
فسوف تصادفه أينما     وإن تتخطك أسبابها
فإن قصاراك أن تهرما

وقال زهير : [ الطويل ]

رأيت المنايا خبط عشواء     من تصب تمته ومن تخطئ يعمر فيهرم



وقال أبو الطيب : [ الخفيف ]

وإذا لم يكن من الموت بد     فمن العجز أن تكون جبانا



ولقد أجاد من قال : [ البسيط ]

في الجبن عار وفي الإقدام مكرمة     والمرء في الجبن لا ينجو من القدر


وهذا هو المراد بالآيات المذكورة ، ويؤخذ من هذه الآية عدم جواز الفرار من الطاعون إذا وقع بأرض وأنت فيها ، وقد ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - النهي عن الفرار من الطاعون ، وعن القدوم على الأرض التي هو فيها إذا كنت خارجا عنها .

تنبيه

لم تأت لفظة ألم تر ونحوها في القرآن مما تقدمه لفظ ألم ، معداة إلا بالحرف الذي هو إلى . وقد ظن بعض العلماء أن ذلك لازم ، والتحقيق عدم لزومه وجواز تعديته بنفسه دون حرف الجر ، كما يشهد له قول امرئ القيس : [ الطويل ]

ألم ترياني كلما جئت طارقا     وجدت بها طيبا وإن لم تطيب



التالي السابق


الخدمات العلمية