صفحة جزء
الفرع السادس : اعلم أن الأحاديث الصحيحة دلت على أن من مات وعليه نذر أنه يقضى عنه ، وسنقتصر هنا على قليل منها اختصارا لصحته ، وثبوته .

قال البخاري - رحمه الله - في صحيحه : حدثنا أبو اليمان ، أخبرنا شعيب ، عن الزهري ، قال : أخبرني عبيد الله بن عبد الله أن عبد الله بن عباس أخبره : " أن سعد بن عبادة الأنصاري استفتى النبي - صلى الله عليه وسلم - في نذر كان على أمه ، فتوفيت قبل أن تقضيه ، فأفتاه أن يقضيه عنها فكانت سنة بعد " اهـ من صحيح البخاري .

وقد قدمنا بعض الأحاديث الدالة على ذلك فيمن مات وعليه نذر الحج ، أنه يقضى عنه كما تقدم إيضاحه ، والأحاديث في هذا الباب كثيرة معروفة .

تنبيه

اعلم أن ابن عمر وابن عباس أفتيا بقضاء الصلاة المنذورة عن الميت إذا مات ولم يصل ما نذر . قال البخاري في صحيحه : باب من مات وعليه نذر ، وأمر ابن عمر امرأة جعلت أمها على نفسها صلاة بقباء فقال : صلي عنها . وقال ابن عباس نحوه ، اهـ من البخاري . وفي " الموطأ " عن مالك ، عن عبد الله بن أبي بكر عن عمته : أنها حدثته ، عن جدته أنها كانت جعلت على نفسها مشيا إلى مسجد قباء ، فماتت ولم تقضه ، فأفتى [ ص: 250 ] عبد الله بن عباس ابنتها أن تمشي عنها . قال يحيى : وسمعت مالكا يقول : لا يمشي أحد عن أحد ، اهـ من " الموطأ " . وقال الزرقاني ، في شرحه : قال ابن القاسم : أنكر مالك الأحاديث في المشي إلى قباء ، ولم يعرف المشي إلا إلى مكة خاصة . قال ابن عبد البر يعني : لا يعرف إيجاب المشي للحالف والناذر . وأما المتطوع ، فقد روى مالك فيما مر أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يأتي قباء راكبا وماشيا ، وأن إتيانه مرغب فيه . اهـ فيه .

قال مقيده - عفا الله عنه وغفر له - : الذي عليه جمهور أهل العلم ، وحكى ابن بطال الإجماع عليه أنه لا يصلي أحد عن أحد ، أما الصوم والحج عن الميت فقد قدمنا مشروعيتهما . وإن خالف جل أهل العلم في الصوم عن الميت ، والعلم عند الله تعالى . وفي " الموطأ " عن مالك ، بعد أن ذكر حديث : " من نذر أن يطيع الله فليطعه ، ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه " قال يحيى : وسمعت مالكا يقول : معنى قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه " أن ينذر الرجل أن يمشي إلى الشام ، أو إلى مصر ، أو إلى الربذة ، أو ما أشبه ذلك مما ليس لله بطاعة ، إن كلم فلانا أو ما أشبه ذلك فليس عليه في شيء من ذلك شيء إن هو كلمه ، أو حنث بما حلف عليه ; لأنه ليس لله في هذه الأشياء طاعة . وإنما يوفى لله بما له فيه طاعة ، اهـ . من " الموطأ " .

التالي السابق


الخدمات العلمية