صفحة جزء
قوله تعالى : كذلك سخرناها لكم لعلكم تشكرون ، قوله كذلك : نعت لمصدر أي : البدن لكم تسخيرا كذلك أي : مثل ذلك التسخير الذي تشاهدون أي : ذللناها لكم ، وجعلناها منقادة لكم تفعلون بها ما شئتم من نحر وركوب ، وحلب وغير ذلك من المنافع ، ولولا أن الله ذللها لكم لم تقدروا عليها ; لأنها أقوى منكم ألا ترى البعير ، إذا توحش صار صاحبه غير قادر عليه ، ولا متمكن من الانتفاع به ، وقوله هنا : لعلكم تشكرون قد قدمنا مرارا أن لعل تأتي في القرآن لمعان أقربها ، اثنان : أحدهما : أنها بمعناها الأصلي ، الذي هو الترجي والتوقع ، وعلى هذا فالمراد بذلك خصوص الخلق ; لأنهم هم الذين يترجى منهم شكر النعم من غير قطع ، بأنهم يشكرونها أو لا ينكرونها لعدم علمهم بما تؤول إليه الأمور ، وليس هذا المعنى في حق الله تعالى ; لأنه عالم بما سيكون فلا يجوز في حقه - جل وعلا - إطلاق الترجي والتوقع لتنزيهه عن ذلك ، وإحاطة علمه بما ينكشف عنه الغيب ، وقد قال تعالى لموسى وهارون : فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى [ 20 \ 44 ] أي على رجائكما وتوقعكما أنه يتذكر أو يخشى ، مع أن الله عالم في سابق أزله أن فرعون لا يتذكر ولا يخشى ، فمعنى لعل بالنسبة إلى الخلق ، لا إلى الخالق - جل وعلا - ، المعنى الثاني : هو ما قدمنا من أن بعض أهل العلم ، قال : كل لعل في القرآن فهي للتعليل إلا التي في سورة الشعراء وتتخذون مصانع لعلكم تخلدون [ 26 \ 129 ] قال : فهي بمعنى : كأنكم تخلدون ، وإتيان لفظة لعل للتعليل معروف في كلام العرب ، وقد قدمناه موضحا مرارا وقد قدمنا من شواهده العربية قول الشاعر :


فقلتم لنا كفوا الحروب لعلنا نكف ووثقتم لنا كل موثق



يعني كفوا الحروب لأجل أن نكف ، وإذا علمت أن هذه الآية الكريمة بين الله فيها أن تسخيره الأنعام لبني آدم نعمة من إنعامه ، تستوجب الشكر لقوله : لعلكم تخلدون .

فاعلم : أنه بين هذا في غير هذا الموضع كقوله تعالى [ ص: 261 ] أولم يروا أنا خلقنا لهم مما عملت أيدينا أنعاما فهم لها مالكون وذللناها لهم فمنها ركوبهم ومنها يأكلون ولهم فيها منافع ومشارب أفلا يشكرون [ 22 \ 36 ] وقوله في آية " يس " : هذه : أفلا يشكرون كقوله في آية " الحج " : لعلكم تشكرون ويشير إلى هذا المعنى قوله تعالى قريبا : كذلك سخرها لكم لتكبروا الله على ما هداكم الآية [ 22 \ 37 ] ، وقد قدمنا معنى شكر العبد لربه وشكر الرب لعبده ، مرارا بما أغنى عن إعادته هنا والتسخير : التذليل .

التالي السابق


الخدمات العلمية