صفحة جزء
قوله تعالى : وشجرة تخرج من طور سيناء تنبت بالدهن وصبغ للآكلين ، قوله : شجرة : معطوف على : جنات من عطف الخاص على العام ، وقد قدمنا مسوغه مرارا أي : فأنشأنا لكم به جنات ، وأنشأنا لكم به شجرة تخرج من طور سيناء وهي شجرة الزيتون ، كما أشار له تعالى بقوله : يوقد من شجرة مباركة زيتونة الآية [ 24 \ 35 ] ، والدهن الذي تنبت به : هو زيتها المذكور في قوله : يكاد زيتها يضيء [ 24 \ 35 ] ومع الاستضاءة منها ، فهي صبغ للآكلين أي : إدام يأتدمون به ، وقرأ هذا الحرف : نافع ، وابن كثير ، وأبو عمرو : سيناء بكسر السين ، وقرأ الباقون : بفتحها ، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو : تنبت بضم التاء ، وكسر الباء الموحدة مضارع أنبت الرباعي ، وقرأ الباقون : تنبت بفتح التاء ، وضم الباء مضارع : نبت الثلاثي ، وعلى هذه القراءة ، فلا إشكال في حرف الباء في قوله : بالدهن أي : تنبت مصحوبة بالدهن الذي يستخرج من زيتونها ، وعلى قراءة ابن كثير وأبي عمرو ، ففي الباء إشكال ، وهو : أن أنبت الرباعي يتعدى بنفسه ، ولا يحتاج إلى الباء وقد قدمنا النكتة في الإتيان بمثل هذه الباء في القرآن ، وأكثرنا من أمثلته في القرآن ، وفي كلام العرب في سورة مريم في الكلام على قوله تعالى : وهزي إليك بجذع النخلة الآية [ 19 \ 25 ] ، ولا يخفى أن أنبت الرباعي ، على قراءة ابن كثير ، وأبي عمرو هنا : لازمة لا متعدية المفعول ، وأنبت تتعدى ، وتلزم فمن تعديها قوله تعالى : ينبت لكم به الزرع والزيتون الآية [ 16 \ 11 ] وقوله تعالى : فأنبتنا به جنات وحب الحصيد [ 50 \ 9 ] ومن لزومها قراءة ابن كثير ، وأبي عمرو المذكورة ، ونظيرها من كلام العرب قول زهير :

رأيت ذوي الحاجات حول بيوتهم قطينا بها حتى إذا أنبت البقل



فقوله : أنبت البقل لازم بمعنى : نبت ، وهذا هو الصواب في قراءة : ( تنبت ) بضم التاء ، خلافا لمن قال : إنها مضارع أنبت المتعدي : وأن المفعول محذوف أي : تنبت [ ص: 331 ] زيتونها ، وفيه الزيت . وقال ابن كثير : الطور : هو الجبل ، وقال بعضهم : إنما يسمى طورا إذا كان فيه شجر ، فإن عري عن الشجر ، سمي جبلا لا طورا ، والله أعلم . وطور سيناء : هو طور سنين ، وهو الجبل الذي كلم الله عليه موسى بن عمران - عليه السلام - ، وما حوله من الجبال ، التي فيها شجر الزيتون . اهـ محل الغرض من كلام ابن كثير .

وفي حديث أبي أسيد مالك بن ربيعة الساعدي الأنصاري - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " كلوا الزيت وادهنوا به فإنه من شجرة مباركة " رواه أحمد ورواه الترمذي ، وغيره عن عمر ، والظاهر أنه لا يخلو من مقال ، وقال فيه العجلوني في كشف الخفاء ومزيل الإلباس رواه أحمد والترمذي وابن ماجه عن عمر وابن ماجه فقط عن أبي هريرة ، وصححه الحاكم على شرطهما ثم قال : وفي الباب عن جماعة من الصحابة - رضي الله عنهم - . اهـ منه ، والعلم عند الله تعالى .

التالي السابق


الخدمات العلمية