صفحة جزء
قوله تعالى : فذرهم في غمرتهم حتى حين ، أمر - جل وعلا - نبيه - صلى الله عليه وسلم - أن يذر الكفار أي : يتركهم في غمرتهم إلى حين ، أي : وقت معين عند الله ، والظاهر أنه وقت انقضاء آجالهم بقتل أو موت ، وصيرورتهم إلى ما هم صائرون إليه بعد الموت من العذاب البرزخي ، والأخروي ، وكون المراد بالحين المذكور : وقت قتلهم ، أو موتهم ذكره الزمخشري عن علي - رضي الله عنه - ، بغير سند .

وأقوال أهل العلم في معنى غمرتهم راجعة إلى شيء واحد ; كقول الكلبي في غمرتهم أي : جهالتهم . وقول ابن بحر : في حيرتهم . وقول ابن سلام : في غفلتهم . وقول بعضهم : في ضلالتهم فمعنى كل هذه الأقوال واحد ، وهو أنه ، أمره أن يتركهم فيما هم فيه من الكفر والضلال ، والغي والمعاصي . قال الزمخشري : الغمرة : الماء الذي يغمر القامة فضربت مثلا لما هم مغمورون فيه من جهلهم ، وعمايتهم أو شبهوا باللاعبين في غمرة الماء لما هم عليه من الباطل ، قال ذو الرمة :


ليالي اللهو يطبيني فأتبعه كأنني ضارب في غمرة لعب



وصيغة الأمر في قوله فذرهم في غمرتهم [ 23 \ 54 ] للتهديد ، وقد تقرر في [ ص: 336 ] فن الأصول في مبحث الأمر وفي فن المعاني في مبحث الإنشاء ، أن من المعاني التي تأتي لها صيغة أفعل التهديد وهذا المعنى الذي دلت عليه هذه الآية الكريمة ، من تهديد الكفار الذين كذبوا نبينا - صلى الله عليه وسلم - ، جاء موضحا في مواضع أخر ، كقوله ذرهم يأكلوا ويتمتعوا ويلههم الأمل فسوف يعلمون [ 15 \ 3 ] ، وقوله تعالى : فمهل الكافرين أمهلهم رويدا [ 86 \ 17 ] وقوله : قل تمتعوا فإن مصيركم إلى النار [ 14 ] وقوله : قل تمتع بكفرك قليلا إنك من أصحاب النار [ 39 \ 8 ] .

وقد أوضحنا الآيات الدالة على هذا المعنى في سورة الحجر في الكلام على قوله تعالى : ذرهم يأكلوا ويتمتعوا ويلههم الأمل ، الآية [ 15 \ 3 ] وتكلمنا هناك على لفظ ذرهم .

التالي السابق


الخدمات العلمية