قوله تعالى : 
بل قالوا مثل ما قال الأولون قالوا أئذا متنا وكنا ترابا وعظاما أئنا لمبعوثون ، لفظة بل هنا للإضراب الانتقالي . 
والمعنى : أن الكفار الذين كذبوا نبينا - صلى الله عليه وسلم - ، قالوا مثل ما قالت الأمم قبلهم ، من إنكار البعث ; لأن الاستفهام في قوله : أئنا لمبعوثون إنكار منهم للبعث ، والآيات الدالة على إنكارهم للبعث كثيرة ; كقوله تعالى عنهم : 
من يحيي العظام وهي رميم   [ 36 \ 78 ] وكقوله عنهم : 
وما نحن بمبعوثين   [ 6 \ 29 ]   
[ ص: 348 ] وما نحن بمنشرين   [ 44 \ 35 ] وقوله عنهم : 
أئذا كنا عظاما نخرة قالوا تلك إذا كرة خاسرة   [ 79 \ 11 - 12 ] ، والآيات بمثل هذا في إنكارهم البعث كثيرة : وقد بينا في سورة البقرة ، في الكلام على قوله تعالى : 
ياأيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم الآية [ 2 \ 21 ] ، وفي أول سورة النحل ، وغيرهما الآيات الدالة على البعث بعد الموت ، وأوردنا منها كثيرا كقوله : 
قل يحييها الذي أنشأها أول مرة الآية [ 36 \ 79 ] ، وقوله : 
وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه   [ 30 \ 27 ] وقوله تعالى : 
ياأيها الناس إن كنتم في ريب من البعث فإنا خلقناكم من تراب الآيات [ 22 \ 5 ] ، وأوضحنا أربعة براهين قرآنية دالة على البعث بعد الموت ، وأكثرنا من ذكر الآيات الدالة على ذلك ، فأغنى ذلك عن التطويل هنا ، وقوله تعالى في هذه الآية أئذا متنا قرأ 
نافع   nindex.php?page=showalam&ids=15080والكسائي  ، بالاستفهام في : أئذا متنا ، وحذف همزة الاستفهام ، في أئنا لمبعوثون ، بل قرأ إنا لمبعوثون بصيغة الخبر لدلالة الاستفهام الأول ، على الاستفهام الثاني المحذوف وقرأه 
ابن عامر  بالعكس ، فحذف همزة الاستفهام ، من أئذا ، وقرأ إذا بدون استفهام ، وأثبت همزة الاستفهام في قوله : أئنا لمبعوثون وقد دل الاستفهام الثاني المثبت في قراءة 
ابن عامر  ، على الاستفهام الأول المحذوف فيها ، وقرأ 
ابن كثير  ، 
وأبو عمرو  ، 
وعاصم  ، 
وحمزة  بالاستفهام فيهما معا : أئذا متنا وكنا ترابا وعظاما أئنا لمبعوثون وهم على أصولهم في الهمزتين ، 
فنافع  وابن كثير  وأبو عمرو  يسهلون الثانية ، والباقون يحققونها ، وأدخل قالون ، 
وأبو عمرو  وهشام  عن 
ابن عامر  ألفا بين الهمزتين ، وقرأ الباقون بالقصر دون الألف ، وقرأ 
نافع  وحمزة   nindex.php?page=showalam&ids=15080والكسائي  وحفص  ، عن 
عاصم    : متنا بكسر الميم ، والباقون : بضم الميم ، وقد قدمنا في سورة 
مريم  في الكلام على قوله تعالى : 
قالت ياليتني مت قبل هذا الآية [ 19 \ 23 ] وجه كسر الميم في إسناد الفعل الذي هو مات إلى تاء الفاعل ، وبينا أنه يخفى على كثير من طلبة العلم ، وأوضحنا وجهة غاية مع بعض الشواهد العربية ، فأغنى ذلك عن إعادته هنا .