المسألة السابعة : في 
حكم رجوع الزاني المقر بالزنى أو رجوع البينة قبل إتمام إقامة الحد عليه   . 
أما الزاني المقر بزناه إذا رجع عن إقراره ، سقط عنه الحد ، ولو رجع في أثناء إقامة الحد من جلد أو رجم ، هذا هو الظاهر . 
قال 
 nindex.php?page=showalam&ids=13439ابن قدامة    : وبه قال 
عطاء  ، 
 nindex.php?page=showalam&ids=17344ويحيى بن يعمر  ، 
 nindex.php?page=showalam&ids=12300والزهري  ، 
وحماد  ، 
ومالك  ، 
 nindex.php?page=showalam&ids=16004والثوري  ، 
 nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي  ، وإسحاق ، 
وأبو حنيفة  ، 
وأبو يوسف  ، وقد حكى 
 nindex.php?page=showalam&ids=13439ابن قدامة  خلاف هذا عن جماعة وروايته عن 
مالك  ضعيفة . 
والظاهر لنا هو ما ذكرنا من سقوط الحد عنه برجوعه عن إقراره ، ولو في أثناء إقامة   
[ ص: 415 ] الحد لما قدمنا من حديث 
أبي داود  وغيره أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لهم لما تبعوا 
ماعزا  بعد هربه " : 
nindex.php?page=hadith&LINKID=1009191ألا تركتموه ؟   " ، وفي رواية " : 
nindex.php?page=hadith&LINKID=1009183هلا تركتموه ؟ فلعله يتوب فيتوب الله عليه   " ، وفي ذلك دليل على قبول رجوعه ، وعليه أكثر أهل العلم ، وهو الحق إن شاء الله تعالى ، وأما 
رجوع البينة أو بعضهم فلم أعلم فيه بخصوصه نصا من كتاب ولا سنة ، والعلماء مختلفون فيه . 
واعلم : أن له حالتين : 
إحداهما : أن يكون رجوعهم ، أو رجوع بعضهم قبل إقامة الحد على الزاني بشهادتهم . 
والثانية : أن يكون رجوعهم ، أو رجوع بعضهم بعد إقامة الحد عليه ، والحد المذكور قد يكون جلدا ، وقد يكون رجما ، فإذا رجعوا كلهم أو واحد منهم قبل إقامة الحد ، فقد قال في ذلك 
 nindex.php?page=showalam&ids=13439ابن قدامة  في " المغني " : فإن رجعوا عن الشهادة ، أو واحد منهم فعلى جميعهم الحد في أصح الروايتين ، وهو قول 
أبي حنيفة  ، والثانية : يحد الثلاثة دون الراجع ، وهو اختيار 
أبي بكر  ، 
وابن حامد    ; لأنه إذا رجع قبل الحد فهو كالتائب قبل تنفيذ الحكم بقوله ، فسقط عنه الحد ، ولأن في درء الحد عنه تمكينا له من الرجوع الذي يحصل به مصلحة المشهود عليه ، وفي إيجاب الحد زجر له عن الرجوع خوفا من الحد ، فتفوت تلك المصلحة ، وتتحقق المفسدة ، فناسب ذلك نفي الحد عنه ، وقال 
 nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي    : يحد الراجع دون الثلاثة ; لأنه مقر على نفسه بالكذب في قذفه . وأما الثلاثة فقد وجب الحد بشهادتهم ، وإنما سقط بعد وجوبه برجوع الراجع ، ومن وجب الحد بشهادته لم يكن قاذفا فلم يحد ، كما لو لم يرجع ، ولنا أنه نقص العدد بالرجوع قبل إقامة الحد ، فلزمهم الحد كما لو شهد ثلاثة وامتنع الرابع من الشهادة ، وقولهم : وجب الحد بشهادتهم يبطل بما إذا رجعوا كلهم ، وبالراجع وحده ، فإن الحد وجب ، ثم سقط ، ووجب الحد عليهم بسقوطه ، ولأن الحد إذا وجب على الراجع مع المصلحة في رجوعه ، وإسقاط الحد عن المشهود عليه بعد وجوبه ، وإحيائه المشهود عليه بعد إشرافه على التلف فعلى غيره أولى ، انتهى من " المغني " . 
وحاصله : أنهم إن رجعوا كلهم حدوا كلهم ، وإن رجع بعضهم ، ففي ذلك ثلاثة أقوال : 
الأول : يحدون كلهم .  
[ ص: 416 ] والثاني : يحد من لم يرجع دون من رجع . 
والثالث : عكسه ، كما هو واضح من كلامه . 
والأظهر : أنهم إن رجعوا بعد الحكم عليه بالرجم أو الجلد بشهادتهم أنه لا يقام عليه الحد ، لرجوع الشهود أو بعضهم ، وقول بعض المالكية : إن الحكم ينفذ عليه ، ولو رجعوا كلهم أو بعضهم قبل التنفيذ خلاف التحقيق ، وإن كان المعروف في مذهب 
مالك  أن الحكم إذا نفذ بشهادة البينة ، أنه لا ينقض برجوعهم وإنما ينقض بظهور كذبهم ; لأن هذا لم يعمموه في الشهادة المفضية إلى القتل لعظم شأنه ، والأظهر أنه لا يقتل بشهادة بينة كذبت أنفسها ، فيما شهدت عليه به ، كما لا يخفى . وأما إن كان رجوع البينة بعد إقامة الحد ، فالأظهر أنه إن لم يظهر تعمدهم الكذب لزمتهم دية المرجوم ، وإن ظهر أنهم تعمدوا الكذب ، فقال بعض أهل العلم : تلزم الدية أيضا ، وقال بعضهم : بالقصاص ، وهو قول 
أشهب  من أصحاب 
مالك  ، وله وجه من النظر ، لأنهم تسببوا في قتله بشهادة زور ، فقتلهم به له وجه ، والعلم عند الله تعالى . وإن كان رجوعهم أو رجوع بعضهم بعد جلد المشهود عليه بالزنى بشهادتهم ، فإن لم يظهر تعمدهم الكذب ، فالظاهر أنهم لا شيء عليهم ، لأنهم لم يقصدوا سوءا ، وإن ظهر تعمدهم الكذب وجب تعزيرهم بقدر ما يراه الإمام رادعا لهم ولأمثالهم ، لأنهم فعلوا معصيتين عظيمتين : 
الأولى : تعمدهم شهادة الزور . 
والثانية : إضرارهم بالمشهود عليه بالجلد ، وهو أذى عظيم أوقعوه به بشهادة زور ، والعلم عند الله تعالى . 
تنبيه . 
اعلم : أنا قدمنا حكم من زنى ببهيمة في سورة " الإسراء " ، في الكلام على قوله تعالى : 
ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا   [ 17 \ 33 ] ، وقدمنا حكم اللواط وأقوال أهل العلم وأدلتهم في ذلك في سورة " هود " ، في الكلام على قوله تعالى : 
وما هي من الظالمين ببعيد   [ 11 \ 83 ] ، وقد قدمنا الكلام أيضا على أن من 
زنى مرات متعددة ، قبل أن يقام عليه الحد ، يكفي لجميع ذلك حد واحد في الكلام على آيات " الحج " ، وقد أوضحنا أن الأمة تجلد خمسين ، سواء كانت محصنة أو غير محصنة ; لأن   
[ ص: 417 ] جلدها خمسين مع الإحصان منصوص في القرآن كما تقدم إيضاحه ، وجلدها مع عدم الإحصان ثابت في الصحيح . 
وأظهر الأقوال عندنا : أن الأمة غير المحصنة تجلد خمسين ، وألحق أكثر أهل العلم العبد بالأمة . 
والأظهر عندنا : أنه يجلد خمسين مطلقا أحصن أم لا ، وقد تركنا الأقوال المخالفة لما ذكرنا لعدم اتجاهها عندنا مع أنا أوضحناها في سورة " النساء " في الكلام على قوله تعالى : 
فإذا أحصن فإن أتين بفاحشة الآية [ 4 \ 25 ] ، ولنكتف بما ذكرنا هنا من أحكام الزنى المتعلقة بهذه الآية التي نحن بصددها . 
وعادتنا أن الآية إن كان يتعلق بها باب من أبواب الفقه أنا نذكر عيون مسائل ذلك الباب والمهم منه ، وتبيين أقوال أهل العلم في ذلك ونناقشها ، ولا نستقصي جميع ما في الباب ; لأن استقصاء ذلك في كتب فروع المذاهب كما هو معلوم ، والعلم عند الله تعالى .