صفحة جزء
المسألة الثامنة : اعلم أنه إن نفى حمل زوجته فقد اختلف أهل العلم ، هل له أن يلاعنها ، وهي حامل لنفي ما في بطنها ، أو لا يجوز له اللعان حتى تضع الولد ؟ فذهب جمهور أهل العلم : إلى أنه يلاعنها وهي حامل وينتفي عنه حملها باللعان ، وقال ابن حجر [ ص: 471 ] في " الفتح " ، بعد أن ساق أحاديث اللعان ، وفيه أن الحامل تلاعن قبل الوضع ; لقوله في الحديث " : انظروا فإن جاءت " إلخ ، كما تقدم في حديث سهل ، وفي حديث ابن عباس ، وعند مسلم من حديث ابن مسعود ، فجاء ، يعني الرجل هو وامرأته فتلاعنا ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - " : لعلها أن تجيء به أسود جعدا " ، فجاءت به أسود جعدا ، وبه قال الجمهور ، خلافا لمن أبى ذلك من أهل الرأي معتلا بأن الحمل لا يعلم ; لأنه قد يكون نفخة .

وحجة الجمهور : أن اللعان شرع لدفع حد القذف عن الرجل ، ودفع حد الرجم عن المرأة ، فلا فرق بين أن تكون حاملا أو حائلا ، ولذلك شرع اللعان مع الآيسة .

وقد اختلف في الصغيرة ، والجمهور على أن الرجل إذا قذفها فله أن يلتعن لدفع حد القذف عنه دونها ، انتهى محل الغرض من كلام ابن حجر .

وقد قدمنا أن التعان قاذف الصغيرة مبني على أنه يحد لقذفها ، وقد قدمنا كلام أهل العلم واختلافهم في حد قاذف الصغيرة المطيقة للوطء ، وذكرنا ما يظهر لنا رجحانه من ذلك .

وأما الذين قالوا : لا تلاعن الحامل حتى تضع ولدها ، فقد استدلوا بأمرين :

الأول : أن الحمل لا يتيقن وجوده قبل الوضع ; لأنه قد يكون انتفاخا وقد يكون ريحا .

والثاني : هو ما جاء في بعض الروايات في أحاديث اللعان ، مما يدل على أنه - صلى الله عليه وسلم - أخر لعان الحامل حتى وضعت . ففي البخاري من حديث ابن عباس ، ما نصه : فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " : اللهم بين " ، فوضعت شبيها بالرجل الذي ذكر زوجها أنه وجده عندها فلاعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بينهما ، الحديث . قالوا : فترتيبه فلاعن بالفاء على قوله : فوضعت شبيها بالرجل ، إلخ . دليل على أن اللعان كان بعد الوضع كما هو مدلول الفاء ، وأجيب من قبل الجمهور عن هذه الرواية بما ذكر ابن حجر في " فتح الباري " ، فإنه قال في كلامه على الرواية المذكورة : ظاهره أن الملاعنة تأخرت إلى وضع المرأة لكن أوضحت أن رواية ابن عباس هذه هي في القصة في حديث سهل بن سعد ، وتقدم قبل من حديث سهل أن اللعان وقع بينهما قبل أن تضع ، فعلى هذا تكون الفاء في قوله : فلاعن معقبة لقوله فأخبره بالذي وجد عليه امرأته ، وهذه الجملة التي ذكر ابن حجر أن جملة " فلاعن " معطوفة عليها مذكورة [ ص: 472 ] في حديث ابن عباس الذي ذكرنا محل الغرض منه .

والذي يظهر لنا أن الحامل تلاعن قبل الوضع لتصريح الأحاديث الصحيحة بذلك ، ولما ذكره ابن حجر في كلامه الذي نقلناه آنفا ، والعلم عند الله تعالى .

التالي السابق


الخدمات العلمية