صفحة جزء
المسألة التاسعة : اعلم أن أظهر أقوال أهل العلم عندي فيمن طلق امرأته ثم قذفها بعد الطلاق ، أنه إن كان قذفه لها بنفي حمل لم يعلم به إلا بعد الطلاق ، أنه يلاعنها لنفي ذلك الحمل عنه ، وإن كانت بائنا ، وأنه إن قذفها بالزنى بعد الطلاق حد ، ولم يلاعن لأن تأخيره القذف واللعان إلى زمن بعد الطلاق دليل على أنه قاذف ، والأظهر ولو كان الطلاق رجعيا ، ولم تنقض العدة ، وإن كانت الرجعية في حكم الزوجة ; لأن طلاقه إياها قبل القذف دليل على أنه لا يريد اللعان ويجلد ، وهو قول ابن عباس ، وقيل : يلاعن الرجعية قبل انقضاء العدة ، لأنها في حكم الزوجة ، وهو مذهب أحمد المشهور ، ورواية أبي طالب عنه ، وبه قال ابن عمر ، وجابر ، وزيد ، والنخعي ، والزهري ، والشافعي ، وإسحاق ، وأبو عبيد ، وأبو ثور ، وأصحاب الرأي وله وجه من النظر ، والله أعلم .

وقال القرطبي : لا ملاعنة بين الرجل وزوجته بعد انقضاء العدة إلا في مسألة واحدة ، وهي أن يكون الرجل غائبا فتأتي امرأته بولد في مغيبه ، وهو لا يعلم فيطلقها فتنقضي عدتها ثم يقدم فينفيه ، فله أن يلاعنها هنا بعد العدة ، وكذلك لو قدم بعد وفاتها ونفى الولد لاعن لنفسه وهي ميتة بعد مدة من العدة ويرثها ; لأنها ماتت قبل وقوع الفرقة بينهما ، اهـ منه ، ولا نص فيه ، وله وجه من النظر .

وقال القرطبي أيضا : إذا قذفها بعد الطلاق نظرت ، فإن كان هناك نسب يريد أن ينفيه ، أو حمل يريد أن يتبرأ منه لاعن ، وإلا لم يلاعن ، وقال عثمان البتي : لا يلاعن بحال ، وقال أبو حنيفة : لا يلاعن في الوجهين ; لأنها ليست بزوجة ، وهذا ينتقض عليه بالقذف قبل الزوجية كما ذكرناه آنفا بل هذا أولى ; لأن النكاح قد تقدم ، وهو يريد الانتفاء من النسب ، وتبرئته من ولد يلحق به ، فلا بد من اللعان ، وإذا لم يكن هناك حمل يرجى ، ولا نسب يخاف تعلقه لم يكن للعان فائدة فلم يحكم به ، وكان قذفا مطلقا داخلا تحت عموم قوله تعالى : والذين يرمون المحصنات الآية ، فوجب عليه الحد ، وبطل ما قاله البتي لظهور فساده ، انتهى كلام القرطبي .

وقد قدمنا أن القول بلعان الرجعية قبل انقضاء العدة له وجه من النظر; لأنها في حكم [ ص: 473 ] الزوجة ، وذكرنا ما يظهر لنا أنه أظهر الأقوال في ذلك ، وأقوال العلماء ، وفائدة لعانه أن يدفع عنه حد القذف ، وكون الرجعية كالزوجة قبل انقضاء العدة فيتوارثان ، ولا يجوز له تزوج أختها ، قبل انقضاء العدة ، ولا تزويج رابعة غيرها ; لأنها تكون كالخامسة نظرا إلى أن الرجعية كالزوجة ، يقتضي أن يقول بلعان الرجعية قبل انقضاء العدة له وجه من النظر ، وقد رأيت كثرة من قال به من أهل العلم ، ووجه القول بعدمه أنه لما طلقها عالما بزناها في زعمه ، دل ذلك على أنه تارك للعان ، وينبني على الخلاف المذكور ، ما لو ادعى أنها زنت بعد الطلاق الرجعي ، وقبل انقضاء العدة ، هل يحكم عليه بأنه قاذف ; لأنه رماها بزنى واقع بعد الفراق أو له أن يلاعنها لنفي الحد عنه بناء على أن الرجعية في حكم الزوجة .

أما إن قذفها قبل أن يطلقها ثم طلقها بعد القذف ، فالأظهر أن له لعانها مطلقا ، ولو كان الطلاق بائنا ; لأن القذف وقع وهي زوجة غير مطلقة ، وروي ذلك عن ابن عباس ، وبه قال الحسن ، والقاسم بن محمد ، ومكحول ، ومالك ، والشافعي ، وأبو عبيد ، وأبو ثور ، وابن المنذر ، وقال الحارث العكلي ، وجابر بن زيد ، وقتادة والحكم : يجلد ، وقال حماد بن أبي سليمان وأصحاب الرأي : لا حد ولا لعان ; لأن اللعان إنما يكون بين الزوجين وليس هذان بزوجين ، ولا يحد ; لأنه لم يقذف أجنبية .

التالي السابق


الخدمات العلمية