[ ص: 528 ] قوله تعالى : 
وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله الإنكاح هنا معناه : التزويج ، 
وأنكحوا الأيامى أي : زوجوهم ، والأيامى : جمع أيم بفتح الهمزة وتشديد الياء المكسورة ، والأيم : هو من لا زوج له من الرجال والنساء ، سواء كان قد تزوج قبل ذلك ، أو لم يتزوج قط ، يقال : رجل أيم ، وامرأة أيم ، وقد فسر 
الشماخ بن ضرار  في شعره : الأيم الأنثى بأنها التي لم تتزوج في حالتها الراهنة ، وذلك في قوله : 
يقر بعيني أن أنبأ أنها وإن لم أنلها أيم لم تزوج 
فقوله : " لم تزوج " تفسير لقوله : أنها أيم ، ومن إطلاق الأيم على الذكر الذي لا زوج له قول 
أمية بن أبي الصلت الثقفي    : 
لله در بني علي     أيم منهم وناكح 
ومن إطلاقه على الأنثى قول الشاعر : 
أحب الأيامى إذ بثينة أيم     وأحببت لما أن غنيت الغوانيا 
والعرب تقول : آم الرجل يئيم ، وآمت المرأة تئيم ، إذا صار الواحد منهما أيما ، وكذلك تقول : تأيم إذا كان أيما . 
ومثاله في الأول قول الشاعر : 
لقد إمت حتى لامني كل صاحب     رجاء بسلمى أن تئيم كما إمت 
ومن الثاني قوله : 
فإن تنكحي أنكح وإن تتأيمي     وإن كنت أفتى منكم أتأيم 
ومن الأول أيضا ، قول 
 nindex.php?page=showalam&ids=17355يزيد بن الحكم الثقفي    : 
كل امرئ ستئيم منه     العرس أو منها يئيم 
وقول الآخر :  
[ ص: 529 ] نجوت بقوف نفسك غير أني     إخال بأن سييتم أو تئيم 
يعني : ييتم ابنك وتئيم امرأتك . 
فإذا علمت هذا ، فاعلم أن قوله تعالى في هذه الآية : 
وأنكحوا الأيامى شامل للذكور والإناث ، وقوله في هذه الآية : منكم أي : من المسلمين ، ويفهم من دليل الخطاب أي مفهوم المخالفة في قوله : منكم أن الأيامى من غيركم ، أي : من غير المسلمين ، وهم الكفار ليسوا كذلك . 
وهذا المفهوم الذي فهم من هذه الآية جاء مصرحا به في آيات أخر ; كقوله تعالى في أيامى الكفار الذكور : 
ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا   [ 2 \ 221 ] ، وقوله في أياماهم الإناث : 
ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن   [ 2 \ 221 ] ، وقوله فيهما جميعا : 
فإن علمتموهن مؤمنات فلا ترجعوهن إلى الكفار لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن   [ 60 \ 10 ] . 
وبهذه النصوص القرآنية الصريحة الموضحة لمفهوم هذه الآية ، تعلم أنه لا يجوز 
تزويج المسلمة للكافر مطلقا وأنه لا يجوز 
تزويج المسلم للكافرة إلا أن عموم هذه الآيات خصصته آية " المائدة " ، فأبانت أن المسلم يجوز له تزوج المحصنة الكتابية خاصة ; وذلك في قوله تعالى : 
وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم   [ 5 \ 5 ] ، فقوله تعالى عاطفا على ما يحل للمسلمين : 
والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب صريح في إباحة 
تزويج المسلم للمحصنة الكتابية ، والظاهر أنها الحرة العفيفة . 
فالحاصل أن التزويج بين الكفار والمسلمين ممنوع في جميع الصور ، إلا صورة واحدة ، وهي تزوج الرجل المسلم بالمرأة المحصنة الكتابية ، والنصوص الدالة على ذلك قرآنية ، كما رأيت . 
وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة : 
والصالحين من عبادكم وإمائكم يدل على لزوم تزويج الأيامى من المملوكين الصالحين ، والإماء المملوكات ، وظاهر هذا الأمر الوجوب ; لما تقرر في الأصول .  
[ ص: 530 ] وقد بينا مرارا من أن صيغة الأمر المجردة عن القرائن تقتضي الوجوب ، وبذلك تعلم أن الخالية من زوج إذا خطبها كفء ورضيته ، وجب على وليها تزويجها إياه ، وأن ما يقوله بعض أهل العلم من المالكية ومن وافقهم ، من أن السيد له 
منع عبده وأمته من التزويج مطلقا غير صواب لمخالفته لنص القرآن في هذه الآية الكريمة . 
واعلم أن قوله في هذه الآية الكريمة : وإمائكم بينت آية " النساء " أن الأمة لا تزوج للحر إلا بالشروط التي أشارت إليها الآية ، فآية " النساء " المذكورة مخصصة بعموم آية " النور " هذه بالنسبة إلى الإماء ، وآية " النساء " المذكورة هي قوله تعالى : 
ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات فمن ما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات إلى قوله تعالى : 
ذلك لمن خشي العنت منكم وأن تصبروا خير لكم   [ 4 \ 25 ] ، فدلت آية " النساء " هذه على أن الحر لا يجوز له أن يتزوج المملوكة المؤمنة ، إلا إذا كان غير مستطيع تزويج حرة لعدم الطول عنده ، وقد خاف الزنى فله حينئذ تزوج الأمة بإذن أهلها المالكين لها ، ويلزمه دفع مهرها ، وهي مؤمنة عفيفة ليست من الزانيات ولا متخذات الأخدان ، ومع هذا كله فصبره عن تزويجها خير له ، وإذا كان الصبر عن تزويجها مع ما ذكرنا من الاضطرار خيرا له فمع عدمه أولى بالمنع ، وبما ذكرنا تعلم أن الصواب قول الجمهور من منع 
تزويج الحر الأمة ، إلا بالشروط المذكورة في القرآن ; كقوله تعالى : 
ومن لم يستطع منكم طولا   [ 4 \ 25 ] ، وقوله : 
ذلك لمن خشي العنت منكم   [ 4 \ 25 ] ، أي : الزنى إلى آخر ما ذكر في الآية خلافا 
لأبي حنيفة  القائل بجواز نكاحها مطلقا ، إلا إذا تزوجها على حرة . 
والحاصل أن قوله تعالى في آية " النور " هذه : وإمائكم خصصت عمومه آية " النساء " كما أوضحناه آنفا ، والعلماء يقولون : إن علة منع تزويج الحر الأمة ، أنها إن ولدت منه كان ولدها مملوكا ; لأن كل ذات رحم فولدها بمنزلتها ، فيلزمه ألا يتسبب في رق أولاده ما استطاع ، ووجهه ظاهر كما ترى . 
وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة : 
إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله فيه 
وعد من الله للمتزوج الفقير من الأحرار ، والعبيد بأن الله يغنيه ، والله لا يخلف الميعاد ، وقد وعد الله أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الفقراء باليسر بعد ذلك العسر ، وأنجز لهم ذلك ، وذلكم في قوله تعالى : 
ومن قدر عليه رزقه   [ 65 \ 7 ] ، أي : ضيق عليه رزقه إلى قوله   
[ ص: 531 ] تعالى : 
سيجعل الله بعد عسر يسرا   [ 65 \ 7 ] ، وهذا الوعد منه - جل وعلا - وعد به من اتقاه في قوله تعالى : 
ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب الآية [ 65 \ 2 - 3 ] ، 
ووعد بالرزق أيضا من يأمر أهله بالصلاة ويصطبر عليها ، وذلك في قوله : 
وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها لا نسألك رزقا نحن نرزقك والعاقبة للتقوى   [ 20 \ 132 ] ، وقد 
وعد المستغفرين بالرزق الكثير على لسان نبيه 
نوح  في قوله تعالى عنه : فقلت 
استغفروا ربكم إنه كان غفارا يرسل السماء عليكم مدرارا ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهارا   [ 71 \ 10 - 12 ] ، وعلى لسان نبيه 
هود  في قوله تعالى عنه : 
ويا قوم استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يرسل السماء عليكم مدرارا ويزدكم قوة إلى قوتكم الآية [ 11 \ 52 ] ، وعلى لسان نبينا - صلى الله عليه وعليهما جميعا وسلم - : 
وأن استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يمتعكم متاعا حسنا إلى أجل مسمى   [ 11 \ 3 ] . 
ومن الآيات الدالة على أن 
طاعة الله تعالى سبب للرزق ، قوله تعالى : 
ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض الآية [ 7 \ 96 ] ، ومن بركات السماء المطر ، ومن بركات الأرض النبات مما يأكل الناس والأنعام ، وقوله تعالى : 
ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليهم من ربهم لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم الآية [ 5 \ 66 ] ، وقوله تعالى : 
من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة   [ 16 \ 97 ] ، أي : في الدنيا ; كما قدمنا إيضاحه في سورة " النحل " ، وكما يدل عليه قوله بعده في جزائه في الآخرة : 
ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون   [ 16 \ 97 ] ، وقد قدمنا أنه - جل وعلا - وعد بالغنى عند التزويج وعند الطلاق . 
أما التزويج ، ففي قوله هنا : 
إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله   . 
وأما الطلاق ففي قوله تعالى : 
وإن يتفرقا يغن الله كلا من سعته الآية [ 4 \ 130 ] ، والظاهر أن المتزوج الذي وعده الله بالغنى ، هو الذي يريد بتزويجه الإعانة على طاعة الله بغض البصر ، وحفظ الفرج ; كما بينه النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الصحيح " : 
nindex.php?page=hadith&LINKID=1009269يا معشر الشباب ، من استطاع منكم الباءة فليتزوج ، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج   " الحديث ، وإذا كان 
قصده بالتزويج طاعة الله بغض البصر وحفظ الفرج ، فالوعد بالغنى إنما هو على طاعة الله بذلك .  
[ ص: 532 ] وقد رأيت ما ذكرنا من الآيات الدالة على وعد الله بالرزق من أطاعه سبحانه - جل وعلا - ما أكرمه ، فإنه يجزي بالعمل الصالح في الدنيا والآخرة ، وما قاله 
أهل الظاهر  من أن هذه الآية الكريمة تدل على أن العبد يملك ماله ; لأن قوله : 
إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله بعد قوله : 
والصالحين من عبادكم وإمائكم يدل على وصف العبيد بالفقر والغنى ، ولا يطلق الغنى إلا على من يملك المال الذي به صار غنيا ، ووجهه قوي ولا ينافي أن لسيده أن ينتزع منهم ذلك المال الذي ملك له ، والعلم عند الله تعالى .