صفحة جزء
قوله تعالى : وليستعفف الذين لا يجدون نكاحا حتى يغنيهم الله من فضله .

هذا الاستعفاف المأمور به في هذه الآية الكريمة ، هو المذكور في قوله : قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون [ 24 \ 30 ] ، وقوله تعالى : ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلا [ 17 \ 32 ] ، ونحو ذلك من الآيات .

قوله تعالى : ومن يكرهن فإن الله من بعد إكراههن غفور رحيم قوله تعالى في هذه الآية الكريمة : فإن الله من بعد إكراههن غفور رحيم قيل : غفور لهن ، وقيل : غفور لهم ، وقيل : غفور لهن ولهم .

وأظهرها أن المعنى غفور لهن لأن المكره لا يؤاخذ بما أكره عليه ، بل يغفره الله له لعذره بالإكراه ; كما يوضحه قوله تعالى : إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان الآية [ 16 \ 106 ] ، ويؤيده قراءة ابن مسعود ، وجابر بن عبد الله ، وابن جبير ، فإن الله من بعد إكراههن لهن غفور رحيم ، ذكره عنه القرطبي ، وذكره الزمخشري عن ابن عباس - رضي الله عنهم جميعا - .

وقد قدمنا في ترجمة هذا الكتاب المبارك أنا لا نبين القرآن بقراءة شاذة ، وربما ذكرنا القراءة الشاذة استشهادا بها لقراءة سبعية كما هنا ، فزيادة لفظة لهن في قراءة من ذكرنا استشهاد بقراءة شاذة لبيان بقراءة غير شاذة أن الموعود بالمغفرة والرحمة ، هو المعذور بالإكراه دون المكره ; لأنه غير معذور في فعله القبيح ، وذلك بيان المذكور بقوله : إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان [ 16 \ 106 ] .

[ ص: 533 ] وقال الزمخشري في تفسير هذه الآية الكريمة : فإن قلت لا حاجة إلى تعليق المغفرة بهن ; لأن المكرهة على الزنى ، بخلاف المكره عليه في أنها غير آثمة .

قلت : لعل الإكراه كان دون ما اعتبرته الشريعة من إكراه بقتل ، أو بما يخاف منه التلف ، أو ذهاب العضو من ضرب عنيف أو غيره ، حتى يسلم من الإثم ، وربما قصرت عن الحد الذي تعذر فيه فتكون آثمة ، انتهى منه .

والذي يظهر أنه لا حاجة إليه ، لأن إسقاط المؤاخذة بالإكراه يصدق عليه أنه غفران ورحمة من الله بعبده ، والعلم عند الله تعالى .

التالي السابق


الخدمات العلمية